علم البديع في القرآن الكريم
البلاغة هي من أروع العلوم التي يمكن أن تتعلمها في حياتك حيث أنها تجعلك تعبر عبر الكلمات ، وتعرف الأشياء الجمالية الغير ظاهرة فيها ، ويمكن لك من خلال هذا العلم الرائع ، أن تتعرف على الكثير من الأساليب التي يصبح الكلام بها بليغاً ، وتنقسم البلاغة إلى علم المعاني ، وعلم البيان ، و
علم البديع
، وكل قسم من هذه الأقسام يندرج تحته الكثير من الأساليب البلاغية الرائعة التي يجب تعلمها لمعرفة بلاغة القرآن الكريم ، وما فيه من أسرار بلاغية رائعة.
تعريف علم البديع
تعرف كلمة البديع في اللغة على أنه هو الشيء الجديد والحديث والغريب ، وإيجاد الشيء واختراعه على غير مثال ، حيث يقول الله تعالى في محكم تنزيله: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ) ، وهو اسم من أسماء الله – عز وجل – حيث أنه يخلق ما لا يقدر غيره على خلقه ، ولكن تعريف علم البديع عند علماء الاصطلاح مختلف تماماً ومعناه أنه فن من فنون القول الحديث ، وعلم البديع هو العلم الذي يُعرف به وجوه حسن الكلام ؛ وذلك بعد رعاية المطابقة ووضوح الدلالة، كما يُعرف بأنَّه النظر في تزيين الكلام وتحسينه بنوع من التنميق من خلال تفصيله بالسجع ، أو استخدام الجناس، أو الترصيع، أو تورية المعنى ، أو الاستعانة بالطباق، وما إلى ذلك. [1]
علم البديع في القرآن الكريم
يحتوي القرآن الكريم على الكثير من
امثلة على علم البديع
، فيوجد في القرآن محسنات لفظية ، ومعنوية وهما القسمان الذي يحتوى عليهما علم البديع ومن الأمثلة على ذلك : [2]
الجناس التام والناقص في القرآن الكريم
- قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ}، الشاهد على الجناس التام في هذه الآية هو لفظة الساعة المكررة مرتين ، الأولى يُقصد بها يوم القيامة ، والثانية هي المدة الزمنية من الوقت .
- قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ*إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}الشاهد الجناس الناقص في هذه الآية بين لفظتي : ناضرة وناظرة ، وهو جناس ناقص يحدث بين نوعين من الأحرف ، في الفرق بين الكلمتين هو حرف الضاد ، والظاء ، وهو ما جعل المعنى مختلف .
- قوله تعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} الشاهد الجناس الناقص في هذه الآية بين كلمة : همزة وكلمة : ولمزة ، فإن اختلفا في نوع الحروف ، والحرفان المختلفان هما الهاء واللام، كما اختلفتا في المعنى وبينهما موافقة في باقي الشروط الأخرى .
السجع في القرآن الكريم
- قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ}
- {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم}، وهذا سجع مرصع وقد سُميَّ مرصّعًا م قولهم ترصيع العقد ، تشبيهًا له بعقد اللؤلؤ ، حيث توضع اللؤلؤة في جانب، وتوضع مثلها في جانبٍ آخر ؛ الفقرتان المتفقتان في الوزن والتقفية مثلُ اللآلئ المتماثلة في جانبَيْ العِقد .
- {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ} وهو ما اتفقت فيه الفاصلتان أيْ الكلمتان الأخيرتان في كلِّ جملة في الوزن والقافية مع اختلاف ما عداها.
- قوله تعالى: {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} وهذا سجع مطرف ،وهو ما أتلفت فيه الفاصلتان في الوزن واتفقنا في التقفية، وسُميَّ مُطرّفًا؛ لأنَّ التوافق بين الفاصلتين واقع في الطرف ، وهو الحرف الأخير.
- {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ* وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ* وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} سجع قصير .
- {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ* وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ۚ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ}. السجع الطويل .
رد العجز في القرآن الكريم
- قوله تعالى: ( وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) .
- قوله تعالى : ( فقلت استغفروا ربكم أنه كان غفاراً ) .
- قوله تعالى : ( قال أنى لعملكم من القالين ) .
التصريع
ويأتي التصريع في الشعر، وهو أن يتوافق عروض البيت الأول من القصيدة مع ضربه بالقافية، وهي القافية التي اتخذها الشاعر لقصيدته كلِّها ،
مثل قول امرئ القيس : قفا نبك من ذِكرى حبيب ومنزلِ بسِقطِ اللِّوى بينَ الدَّخول فحَوْملِ .
حسن التقسيم
وهو تقسيم البيت الشعري لجمل متساوية المقاطع، ويكون هذا غالبًا في
البحور الشعرية
التي تتألف من تكرار تفعيلتين، مثل البحر البسيط والطويل، مثل قول الشاعرة الخنساء : حَمّالُ أَلوِيَةٍ هَبّاطُ أَودِيَةٍ شَهّادُ أَندِيَةٍ لِلجَيشِ جَرّارُ
أمثلة على المحسنات البديعية في القرآن
التورية
- {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ} الشاهد في الآية أن التورية جاءت في لفظ {جَرَحْتُم} وتحتمل معنيان: معنًى ظاهر غير مقصود وهو الجرح في الجسم ، ومعنًى آخر بعيد مقصود وهو ارتكاب الذنوب والمعاصي.
-
قوله تعالى: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا ۖ فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا} [3] -
قول الله تعالى: {حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}، الشاهد أن جاءت التورية في هذه الآية بكلمة يد ، ولها معنيان معنًى قريب غير مقصود وهي عضو من
أعضاء جسم الإنسان
، ومعنى بعيد مقصود وهو الذل والهوان . - أقبل نبي الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة وهو مُردِفٌ أبا بكر، وأبو بكر شيخ يُعرَفُ، ونبي الله شابٌّ لا يُعرَفُ، قال: فيلقى الرجل أبا بكر، فيقول: يا أبا بكر، من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرجل يهديني السبيل، قال: فيحسب الحاسب أنه إنما يعني الطريق؛ وإنما يعني سبيل الخير”، جاءت التورية في لفظ السبيل ومعناه الطريق يعني أنه يدلّه على الطريق ، لكن المعنى البعيد المقصود هو أنَّ الرسول-صلى الله عليه وسلم- يدلّه إلى الخير.
الطباق
- قال الله تعالى : { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ } . طباق إيجاب
- قوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}. طباق سلب .
- {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ۚ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} طباق تدبيج لأنها جاء في الألوان ولا يكون طباق التدبيج إلا في الألوان .
- قوله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} طباق خفي .
المقابلة
- قال تعالى : {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا..} . مقابلة في معنى واحد .
- قوله تعالى : {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} وهنا كلمة يحل مقابلة ليحرم وكلمة لهم تقابل عليهم والطيبات تقابل الخبائث. مقابلة في معنيين.
- مثل قوله تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ} مقابلة في أربع معاني .
المشاكلة
وهو أن يذكر المتكلم لفظًا لا يصحُّ إطلاقه على الشيء الذي أطلقه عليه،وهذا مثل قوله تعالى في سورة المائدة: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} ، فلا يصح أن يقول الإنسان نفسك على ذات الله – عز وجل – ولكنها جاءت هنا لتدل على المشاكلة .