المجموعة القصصية صاحبة الوحي
ازدهرت القصة القصيرة الجزائرية على يد رائدها أحمد رضا حوحو، وهو الكاتب ذو الصيت الإعلامي، والأدبي الكبير. ولم تكن هي المجموعة القصصية الوحيدة له آنذاك. صادر العدوان الفرنسي على الجزائر حرية قلمه، وهددوه بالإعدام نتيجة لأفكاره الحرة. وتُعد “صاحبة الوحي” من أشهر المجموعات القصصية ذات البُعد السوسيولوجي لكاتب جزائري مناضل كأحمد رضا حوحو.
الكاتب الجزائري أحمد رضا حوحو
- وُلد بقرية سيدي عقبة ببسكرة بالجزائر في عام1910، والتحق بالكتاب في سن مُبكرة، وعند بلوغه السادسة التحق بالتعليم الابتدائي، ثم أكمل دراسته التأهيلية في سكيكدة عام 1928.
-
كان احتكاكه الأول بالبيئة عندما بدأ حياته العملية بعمله في
التلغراف
بجنوب الجزائر بسيدي عقبة؛ حيث بدأ في إدراك الفارق بين البيئة الصحراوية، والبيئة الحضرية. - تزوج حوحو عام 1934، وبعد زواجه ارتحل إلى المدينة المنورة على ظهر الباخرة سنابا، وعندما وصل إلى هناك إلتحق بكلية الشريعة ليكمل دراسته، ونُشر له أول مقال بمجلة الرابطة العربية عام 1983.
- نظراً لتفوقه تعين أستاذاً بالكلية، وفي نفس عام تعيينه استلم وظيفته كسكرتير لمجلة المنهل، واستقال بعد عامين منها ليعود إلى مكة المكرمة.
-
عاد إلى الجزائر ليعمل بالبرق، وقام بالعديد من الإنجازات؛ ومنها أنه أصبح عضواً فعالاً بجمعية
العلماء المسلمين
، وأصبح مديراً لمدرسة “التربية والتعليم” ، ثم مديراً لمدرسة “الشاطودان”. - نشر مقاله بالبصائر بعد عودتها إلى الصدور، وكان ذلك عام 1946. ومثل الجزائر في مؤتمر باريس الدولي للسلام وذلك في الأسبوع الثاني من شهر مايو عام 1949.
- قدم نشاطه المسرحي من خلال جمعية المزهر الفلسطيني التي أسسها في أكتوبر عام 49، ووكان من أبرز مسرحياته : ملكة غرناطة، بائعة الورد، البخيل.
- كان لحوحو ترجمات للأدب الفرنسي، وأصدر خمسين عدداً من جزيرة الشعلة التي أسسها في ديسمبر 1949، وبعد اندلاع الثورة الجزائرية عام 1955، كان حوحو مناضل الكلمة يواجه الفرنسيين من خلال أعماله الأدبية وإصداراته الصحفية، فتم إلقاء القبض عليه في أوائل عام 1956، وأُخذ حتى جبل الوحش الذي يطل على قسطنطينة، حيث تم إعدامه، ودفن جثمانه بصحبة ثمانية جثث أخرى في مقبرة جماعية بوادي حميمين، وبعد نيل الجزائر لاستقلالها؛ أُخذت رفاته ليُدن بمقبرة الشهداء بالخروب.
- من أهم إنجازاته في مجال القصة القصيرة : “مع حمار الحكيم”، ” غادة أم القرى”، “ابن الوادي”، “الأديب الأخير”، “يأفل نجم الأدب”.
المجموعة القصصية صاحبة الوحي
- تم إصدار باكورة إنتاجه الأدبي عام 1949م، وهي المجموعة القصصية “صاحبة الوحي”، والتي تم تقديم الطبعة الثانية منها عام 1988، من خلال المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائريين.
- تنتدرج بقائمة المجموعة القصصية صاحبة الوحي، هذه القصص:
- خولة.
- أدباء المظهر.
- ثرى الحرب.
- الفقراء.
- جريمة حماة.
- فتاة أحلامي.
- القُبلة المشؤومة.
- صديقي الشاعر.
- صاحبة الوحي.
- تتفاوت القصص في طولها؛ فأتت قصة “حولة” كأطول قصص المجموعة، والتي تُعتبر من أهم القصص التي ناقشت قصة تحرر امرأة بدوية من العادات والتقاليد السامة.
-
ولم تكن “خولة” هي القصة الأولى التي نشد من خلالها حوحو أهم قضايا المرأة العربية؛ فقد سبقتها قصة “غادة أم القرى” والتي تناول فيها أهم ملامح حياة المرأة الحجازية في
المدينة المنورة
. - تأثرت موضوعات القصص بالفترة التي عاشها حوحو، وظهر ذلك بشكل واضح في مجموعته القصصيه صاحبة الوحي، فقصص : ثرى الحرب، صديقي الشاعر، جريمة حماة، القبلة المشؤومة مثلاً يحكي من خلالها أبرز ما تأثر به في الفترة التي استقر بها بالجزائر عام 1946، وحتى تلك الليلة التي اقتاده فيها الفرنسيين من بيته في السادسة صباحاً بمنتهى الوحشية وقبل أن يلقى مصيره الأخير.
-
تأثر أسلوب حوحو في كتابته لقصة “الفقراء” برواية الأديب الفرنسي
فيكتور هوجو
“البؤساء”، وانتقد من خلال أسطر قصته الطبقة البورجوزاية، والتي نهبت خيرات من حق المستضعفين، وانحاز فيها وبشدة للطبقة الفقيرة والتي كانت المعاناة من نصيبها فقط. - ظهرت المجموعة القصصية “صاحبة الوحي” في وقت كان الكتاب يتحرجون فيه من الحديث عن الحب كعاطفة جياشة، ولهذا فقد تناول الكاتب أحمد رضا حوحو الحب بدواقعه الأخلاقية؛ فهو ضرورة من ضروريات الحياة، وهو الحافز الأول لتحقيق النبوغ، والتقدم.
- كما برأ الكاتب من خلال مجموعته القصصية الحب من أي اتهام يتعلق بالفسق أو المجون، علاقات الحب بقصص مثل “القُبلة المشؤومة، جريمة حماة، خولة ” حب طاهر، تعيق استمراره العادات والتقاليد، والأقارب، والأهل في مجموعهم أوفرادى؛ لأنه ليس مُعترفاً به من قِبلهم، ولا يجد أبطال القصص لديه من طرق المواجهة لهذا الرفض؛ بيد الشعور بالظلم، والحسرة، والنواح.
- في قصة ثرى الحرب، يعالج الكاتب سلوك الناس خلال الحرب، وما بعدها، وكيف يؤثر الفقراء الآخرين على أنفسهم، . أما في قصتي “صديقي الشاعر، أدباء المظهر” هو يتناول قضية الصدق، ويعرض رأيه بصراحة في الأدب.
- من الناحية الأدبية، لم يختلف الكثيرين حول استعراض حوحو للقصة، وأحداثها، وشخصياتها بأسلوب نمطي تقليدي، كما ظهر ذلك بشكل واضح في اللغة التي اعتمد عليها لتصوير الكثير من الأحداث، والتفاصيل.
- وبناءاً عليه، فإن المجموعة القصصية صاحبة الوحي تُمثل الفترة التي عاشها الكاتب، وتجسد مرحلة فنية تأسست فيها القصة القصيرة بالجزائر على يديه، ولهذا فهي وثيقة أدبية وتاريخية هامة.[1][2]
مدى تأثر مؤلف القصة القصيرة بظروف عصره
- قيل قديماً “من رَحِم الألم يُولد الإبداع”، وإذا عاش الأديب، أو الكاتب، أو الفنان بأي صفة تنتدرج تحت صفات الفن في مجموعها؛ ظروفاً صعبة، فإنه يحرر نفسه من سطوة هذه الظروف بالفن.
- لطالما كان الفن، والأدب من الصور شديدة البلاغة في التعبير عن أقوى ما يُمكن للمرء فعله في حالة معالجته من قسوة الحياة، أو ظروف وُلد بها، ولم يختر أن يُوضع فيها.
- وكان من أبرز ما ظهر بحياة أحمد رضا حوحو رائد القصة القصيرة في الجزائر هو العدوان، والذي أثر على حياته كطالب مرة فلم يكمل دراسته إلا حينما غادر الجزائر وبعد زواجه لأن العدو الفرنسي كان يمنع استكمال الأطفال لتعليمهم آنذاك.
- بالإضافة إلى أن هذه المعاناة قد أثمرت ترجماته الفرنسية، وقدرته على تناول الكثير من القضايا السوسيولوجية، والإنسانية من خلال مجموعته القصصية.
- جدير بالذكر أن لأحمد رضا حوحو مجموعة قصصية أخرى هي “نماذج بشرية” والتي صدرت ضمن إنتاج أدبي يحمل اسم “البعث” (الكتاب الثالث) والتي تضمنت 12 نصاً قصصياً، ونصاص مسرحياً حمل اسم “الأستاذ”.
-
وفي مُقدمة “نماذج بشرية” قال أحمد رضا حوحو:(
… ثم إني لم أعمد في عرض هذه النماذج، إلى الخيال فاستخدمه في التنميق والتزويق، أو إلى التحليل النفساني فأسخره لإثبات فكرة أو إدحاض أخرى، أجل إني لم ألجأ إلى كل ذلك، وإنما التجأت إلى المجتمع، وانتزعت من مختلف طبقاته نماذج عشت مع بعضها وسمعت عن بعضها، نماذج حية أقدمها للقارئ لعله يتوصل بها الى تفهم بعض طباع مجتمعه …
). - إن انطلاق الكاتب في تخليد رحلة معاناته من خلال ما رآه في معاناة الوطن يعتبر من أعظم ما يُمكن للكاتب إنجابه، وتقديمه لشكر وطنه على تحمل كل هذا العناء، وكذلك لأبناء الوطن من أصحاب القضية الحقيقية، والوجود الإنساني المميز.
- لقد رحل أحمد رضا حوحو بطريقة لم ينسها التاريخ العربي، وخلدت وصمة في تاريخ العدوان الفرنسي.