أمراض القلوب في الإسلام

نبضات القلب المستمرة هي الدليل على بقائنا على قيد الحياة لكن ومع ذلك كثير من الناس قلوبهم تنبض لكنهم في الواقع أموات، فموت القلب لتوقف نبضاته أخف وطأة من موته لما يعج به من أمراض أفسدته وجعلته كالآلة مسئول فقط عن ضخ الدماء لسائر أعضاء الجسد.

أمراض القلوب

القلب مضغة في الجسد إن حسنت صارت حياة المرء نعيماً وكان من ربه قريباً ومن العباد محبوباً وإن فسدت ساءت حياة المرء وصار من ربه بعيداً ومن العباد مذموماّ، قال عنه أبي هريرة -رضي الله عنه-:”القلب ملك، والأعضاء جنوده، فإذا طاب الملك طابت جنوده، وإذا خبث القلب خبثت جنوده”.

ومع ذلك يغفل كثير من الناس حقيقة هذا الأمر فلا يهتمون بتطهير قلوبهم وبتزكيتها كما أمرنا الله سبحانه وتعالى، فالقلب ميزان الحياة لذا من أراد إصلاح حياته والتقرب من المولى للفوز بجنات النعيم عليه أن يصلح قلبه ويخلصه مما يعتريه من أمراض لا يمكن للطبيب مداواتها أو الكشف عنها ولكن يمكن لأي كان أن يلمس أثرها في حياة المرء في كل كبيرة وصغيرة يقوم بها فالقلب هو المقود الذي يحرك صاحبه، فإن كان للخير فقد صلح ونجا وإن كان للشر فقد فسد وهلك فلا ينفع المرء في الدنيا والآخرة سوى سلامة قلبه كما يقول عز وجل:”يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ”.

أمراض القلوب لا تأتي للمرء فجأة من حيث لا يدري بل هي نتاج للنهج الذي وضعه لنفسه في الحياة ولمدى قربه من الله عز وجل ولمدى تفكره في الآخرة وحرصه على إرضاء الخالق لا المخلوقين، فإن كان قلبه متعلقاً بإرضاء الله تمكن من مدافعتها عن قلبه قبل أن تتمكن منه وتصبح مجاهدتها أمراً شاقاً وإن كان قلبه متعلقاً بالدنيا غفل عنها وتمكنت منه وتدافعت الواحدة تلو الأخرى حتى يصير قلبه أسوداً لا يرى سوى نفسه ولا يتبع سوى وساوس الشياطين، فما أن يسكن القلب مرضاً واحداً من أمراض القلوب حتى تتدافع جميعها لتأخذ نصيباً من حياة المرء، لذا من أفلح في هذه الحياة هو من انتبه لسلامة قلبه وعمل على تزكيتها بطاعة الرحمن ومكارم الأخلاق.

أمثلة على أمراض القلوب

ومن الأمثلة على الأمراض التي تسكن القلوب:

  • عدم الخوف من الله سبحانه وتعالى.
  • الغيرة من الآخرين و


    الحسد


    .
  • سوء الظن بالله سبحانه وتعالى وبعباده.
  • النفاق والرياء.
  • الحقد على الآخرين.
  • عدم الإحساس بالذنب عند ارتكاب المعاصي.
  • اليأس من الله سبحانه وتعالى.
  • جحود القلب والقسوة وعدم الرحمة.
  • اتباع الهوي والشهوات.
  • السخرية من الآخرين.
  • التكبر والغرور على العباد.
  • الوقوع في الشبهات.

مواطن امتحان القلوب

الاعتقاد السائد لدى غالبية المسلمين أن الله سبحانه وتعالى يختبر قلوب عباده بالمعاصي والشهوات فقط لذا فمن تركها فقد نجا، لكن في الحقيقة الله جل وعلا يمتحن عباده بالخير والشر كما جاء في قوله الكريم:”وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً”، لذا فالمواطن التي يمتحن بها القلب متعددة ومنها:

يمتحن العبد فيما يفرضه الله سبحانه وتعالى عليه من عبادات، والامتحان يكون في كيفية تأديته لها فهل يصلي ويخشع تاركاً ما يشغله في الحياة الدنيا وراء ظهره أم يسجد ويركع ويشغله من الدنيا ما يشغله، هل يحافظ على عباداته ويحرص عليها أم يتهاون بها؟.

أيضاً يمتحن في حرصه على طلب العلم النافع والتعلم في مختلف شؤون الحياة خاصة في شئون الدين، فعلى المسلم أن يتعرف على دينه وما أمر به الله سبحانه وتعالى ليفعله وما نهى عنه لتجنبه، واليوم شبكة الإنترنت جعلت عملية التعلم سهلة عما كانت عليه في الماضي لكن على المرء تحري المصادر التي يحصل منها العلم.

كذلك يمتحن القلب في الجدال مع الغير فصاحب القلب السليم يعرف أن الله سبحانه وتعالى يأمرنا بالجدال بالحكمة والموعظة الحسنة، فلا يرفع صوته ولا يحتد على الآخرين ولا يسعى سوى لإثبات الحق ولا يقحم نفسه في جدالات عقيمة لا طائل منها.

الشهوات من الأمور التي تمتحن بها القلوب وهي كل أمر ينساق له القلب ليحصل منه شيء في الدنيا لا يرضى عنه الله سبحانه وتعالى، لذا على كل مرء أن ينجو بقلبه من اتباع الشهوات فإنه متى تبع شهوة واحدة لن يتوقف عن طلب المزيد، والشهوات من أكثر الأمور التي تميت القلب وتفسده.

كما يمتحن القلب في بعض النعم التي يمن الله سبحانه وتعالى بها على بعض من عباده مثل الجاه والسلطان، فهناك من يغتر بها ويسعى في الأرض فساداً ويبطش ويتكبر على العباد، وهناك من يتبع ما أمر به الله سبحانه وتعالى حتى لا تكون فتنة تفسد قلبه فيخسر دنياه وآخرته.

أسباب أمراض القلوب

هناك العديد من الأسباب التي تقف وراء فساد القلوب والتي يستهين بها كثير من الأشخاص غير مدركين لسوء عواقبها على حياتهم وآخرتهم، ومنها:

  • أول الأسباب هو الجهل الذي يهلك صاحبه ويفسد دنياه وآخرته، فالجهل ظلمة تعمي القلب عن الحق وتضله عن الطريق الصحيح الذي يرضى عنه الله سبحانه وتعالى.


  • صحبة السوء


    فكما حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :”

    المرءُ على دينِ خليلِه فلينظرْ أحدُكم مَن يُخاللُ”، فصديق السوء يدفعك لطريق الضلال والصديق الحق يقودك لطريق النجاة.
  • الانشغال بفتن الحياة الدنيا والسعي وراء زينتها الفانية من مال وبنون ومناصب وسلطان والغفلة عن الآخرة ويوم البعث الذي سنحاسب فيه عن كل كبيرة وصغيرة.
  • غفلة المرء عن ذكر الله سبحانه وتعالى، فمن يداوم على ذكر الله ويجعل مرضاته نصب عينيه ويذكره في كل كبيرة وصغيرة يقدم عليها في الحياة الدنيا ينجو بقلب سليم.[1]

الشفاء من أمراض القلوب

هناك الكثير من الأمور التي يمكن للمسلم أن يداوم عليها ليشفي ويحمي قلبه من مختلف الأمراض التي تفسدها، ومنها:

  • المداومة على قراءة القرآن الكريم وتدبر آياته والتمعن فيها، ففي القرآن شفاء للقلوب كما جاء في قول الله سبحانه وتعالى:”

    قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ

    “، لذا فالخطوة الأولى هي العناية بتدبر آيات القرآن الكريم والإكثار من الاستماع إليه وقراءته.
  • التوبة للخالق عز وجل مما يعتري القلب من أمراض توبة نصوحة بالعدول عن كل ما يغضب الله سبحانه وتعالى، ففي التوبة صلاح للنفس والقلب وزوال للسيئات.
  • المداومة على ذكر الله سبحانه وتعالى والالتزام بورد يومي من الأذكار، لجعل القلب متيقظ دائماً لتذكر المولى عز وجل.
  • الإكثار من الخيرات والأعمال الصالحة التي يرضى عنها المولى عز وجل وتقرب العبد من ربه، مثل إخراج الصدقات والإكثار من صلاة وصوم النافلة وغيرها الكثير.
  • الابتعاد عن مصاحبة السيئين ممن يدعون القلب للبعد عن ذكر الله ويدفعونه للمعصية، والحرص على مصاحبة الأخيار ممن يتجمعون على محبة الله ويتفرقون على محبته.
  • محاسبة النفس أولاً بأول وتتبع ما يرتكبه المرء من ذنوب ومعاصي ليعرف مواطن الضعف لديه وليعرف ما أصاب قلبه من أمراض حتى يتمكن من التخلص منها، فغفلة المرء عن محاسبة نفسه قبل أن يحاسب هي السبب الأول وراء تمكن أمراض القلوب منه.[2]