معلومات عن الثورة الثقافية

منذ 50 سنة مضت، بدأت الحقبة الأكثر دموية في التاريخ الصيني، التي شهدت وفاة أكثر من مليوني شخص. لكن من بدأها و ما هي الغاية منها؟

ثورة البروليتاريا الثقافية

امتدت ثورة البروليتاريا الثقافية الكبرى لعقد من الزمن، و تميزت تلك الفترة بالفوضى السياسية و الاجتماعية الناتجة عن محاولة ماو تسي تونغ استغلال الجماهير الصينية من أجل فرض سيطرته مجددا على الحزب الشيوعي.

متى بدأت الثورة الثقافية

غير أنه يتم حاليا تفسير قرار ماو – ببدء الثورة في أيار من عام 1966 – على أنه محاولة لتدمير خصومه السياسيين عن طريق إطلاق العنان للجماهير ضد الحزب و حثّهم على المطالبة بإعادة ترتيب صفوفه.

عندما انطلقت حركات التجنيد الجماعية، قامت الصحف التابعة للحزب بتصوير الأمر على أنه بمثابة الصراع التاريخي الذي من شأنه إعادة الحياة للقضية الاشتراكية. لكن بالحقيقة، كان للثورة الثقافية الصينية نتائج عكسية إذ أنها أصابت الاقتصاد الصيني بالشلل، و دمرت حياة ملايين الناس، و دفعت الصين لعشرة سنوات من الاضطراب، و إراقة الدماء، والجوع، و الركود الاقتصادي.

حيث تم تشكيل عصابات من الطلاب بالمشاركة مع الحرس الأحمر لمهاجمة الأشخاص اللذين يرتدون الملابس البرجوازية، بهدف تمزيق المظاهر البرجوازية و قتل المسؤولين الكبار في الحزب و المثقفين أو دفعهم إلى الانتحار. [1]

من هم الحرس الأحمر

هم الطلاب اللذين استجابوا لنداء ماو لاستمرار الثورة، تم تشكيل مجموعات كبيرة من الحرس الأحمر لاستهداف الأعداء السياسيين عن طريق الإساءة إليهم و إذلالهم علناً. حتى وصل الحال بتلك المجموعات لأن تقاتل إحداها الأخرى. و تحت حملة شعارها مسح  ” الأربع القدامى ” الأفكار، الأعراف، الثقافة، العادات .

قامت تلك المجموعات بتنفيذ مهمات على نطاق واسع لتدمير المواقع ذات القيمة التاريخية إضافة إلى الأماكن المقدسة. و عندما وصلوا إلى الحد الأقصى من التطرف، تم إرسال الجيش الليبرالي للسيطرة عليهم و ومن الأوضاع من التفاقم أكثر و أكثر.  [2]

أبرز أحداث الثورة الثقافية

  • عام 1958-1962: الحملة الاقتصادية والاجتماعية التي كان يقودها ماو هدفت إلى تحويل الدولة بسرعة إلى المجتمع الاشتراكي. و تم اعتبار تلك القفزة النوعية السريعة بأنها السبب الرئيسي وراء حدوث المجاعة الصينية الكبرى، و التي أدّت إلى وفاة عشرات الملايين من المواطنين الصينيين. إذ تمّ انتقاد ماو و توجيه الاتهامات إليه في المؤتمرات التي عقدها الحزب الشيوعي في عامي 1960 و 1962. بذلك صعد بعض الأعضاء العاديين في الحزب إلى السلطة و تولّي زمام الأمور في الدولة، في حين تمّ تهميش رئيس الحزب ماو.
  • أيار عام 1966: أظهر ماو قلقه بشأن أولئك الذين لا يشاركونه رؤيته بخصوص الشيوعية ضمن الوثيقة الصادرة عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني.
  • آب عام 1966: أطلق ماو رسميا الثورة الثقافية بعد انتهاء إحدى جلسات لجنة الحزب المركزية. حشد ماو حوله الطلاب والشباب باعتبارهم الحرس الأحمر له لمهاجمة الرجعيين في الحزب. استخدم ماو العنف لتطهير بقايا أنصار الرأسمالية في المجتمع. و كان الشعار ” حارب الأنانية، انتقد الرجعية ” هو المعتمد لحشد الناس في تلك الفترة. أغلقت جميع المدارس في الصين. و تم منع الأفراد من ممارسة أي من مظاهر العبادة أو اعتناق الأديان. إضافة إلى تدمير المعابد و الكنائس، و وضع الأشخاص المحافظين على إيمانهم في السجن.
  • الثالث من كانون الثاني، عام 1967: داعمي ماو، تحت قيادة وإشراف زوجته، أطاحوا بجهاز الحزب في شنغهاي.
  • شباط عام 1967: طالب العديد من القادة السياسيين المتبقّين بإنهاء الثورة، لكن أنصار الحزب الأحرار لم يستجيبوا لهم.
  • صيف عام 1967: انتشر الاضطراب و الفوضى بشكل واسع على امتداد الأراضي الصينية. قتل أكثر من أربعمئة ألف شخص واعتقل العديد بغرض التعذيب و السجن. انهار اقتصاد الدولة، و أصبحت الصين على حافة الفوضى السياسية و فقدان الحكومة.
  • كانون الأول عام 1967: تمّ طباعة 350 مليون نسخة من ” الكتاب الأحمر “، الذي يحوي


    اقتباسات


    و أقوال ماو.
  • عام 1968: قرّر ماو إعادة هيكلة الحزب الشيوعي ليحظى بمزيد من السيطرة. و تمّ بعثرة و نشر أفراد الحرس الأحمر بين المناطق الريفية، بهدف العيش و نشر أفكار الثورة الثقافية و التعلم من الفلاحين و

    سكان الريف

    المحليين.
  • عام 1969: أعلن ماو انتهاء الثورة الثقافية.  [3]

عدد ضحايا الثورة الثقافية

يعتقد كتّاب التاريخ أن العدد الإجمالي للوفيات يتراوح بين خمسمئة ألف و مليوني شخصا فقدوا حياتهم نتيجة اندلاع الثورة الثقافية.

ربما كانت المقاطعة الجنوبية Guangxi  هي أكثر المناطق تأثراً، حيث صدرت تقارير تشير لحدوث أنشطة وحشية كالقتل الجماعي و جرائم أخرى ضد الإنسانية.

و بشكل مخالف للاعتقاد الشائع، كانت الحكومة هي المسؤول الرئيسي عن إراقة معظم الدماء، و ليس الحرس الأحمر.

” وصلنا الكثير من القصص المرعبة عن طلاب يدفعون بأساتذتهم إلى الموت عن طريق السلالم و الآبار “، يقول أندرو والدر، مؤلف كتاب الصين تحت حكم ماو.

” لكن وفقا للمنشورات الرسمية للحكومة الصينية، فإن نصف إن لم يكن ثلثي عدد الأفراد اللذين قتلوا أو سجنوا خلال عصر الثورة الثقافية، عانوا ذلك بين عام 1968 و بداية عام 1970 ” حيث تدخل بعدها الجيش ليضع حداً لمظاهر العنف.

كما أوشكت حياة بعض أهم الشخصيات في


الحزب الشيوعي


على الانتهاء خلال فترة الصراع، من بينها والد الرئيس الحالي الذي تعرض لأقسى أنواع الإساءات، قبل أن يبعد إلى المنفى.

و لم تسلم البعثات الدبلوماسية من اعتداءات الحرس الأحمر، إذ تعرضت سفارات كل من


الاتحاد السوفيتي


و فرنسا و إندونيسيا للحصار، كما أحرقت السيارة الخاصة بسفير دولة منغوليا، و تمّ تعليق لافتة تحمل بعض العبارات المعادية بالقرب من السفارة البريطانية، إضافة إلى العديد من المضايقات و الإزعاجات التي تعرض لها طاقم البعثات الأجنبية من خلال الرسائل التي كانوا يتلقونها أو الأناشيد التي كانت تغنّى بالقرب من أماكن تواجدهم.  [1]

النهاية الفعلية للثورة الثقافية

انتهت الثورة الثقافية رسميا بوفاة ماو في التاسع من أيلول عام 1976، الذي كان يبلغ من العمر 82 عاما. و بمحاولة لتحقيق الاستمرارية –  و تجنب تشويه سمعة ماو بشكل كبير – طالب قادة الحزب الحاكم بأن يتمّ محاكمة أرملة الرئيس ماو، جيانغ كينغ، و مجموعة من حلفائها بصفتهم العقل المدبر للفوضى التي حدثت في البلاد. و تم وصفهم بالمصطلح الآتي ” عصابة الأربع “.

تأثير الثورة الثقافية على الصين

تنوعت الآثار التي خلّفتها الثورة الثقافية، ما بين آثار قصيرة الأمد حصلت في تلك الفترة ،و أفضل الأمثلة عليها عمليات القتل والاعتقال والاستيلاء على الممتلكات. إضافة لآثارها المفصلية طويلة الأمد، إذ تأمل ماو أن تحول ثورته الثقافية الصين لمنارة من الشيوعية. لكن يرى الكثيرين الآن أنه كان لتلك الثورة أثرا معاكسا تماما، بتمهيدها الطريق أمام الصين لاعتناق


الرأسمالية


في الثمانينات من القرن الماضي، و ما تبع ذلك من معالم الازدهار الاقتصادي. كما كان لهجوم ماو واسع النطاق على أعضاء الحزب و النظام الذي خلقه، نتيجة معاكسة لما خطط له، حيث أدّى ذلك لفقدان الكثير من الصينيين إيمانهم بحكومتهم.  [4]