هل يتوالد اهل الجنة
هل يتوالد
اهل الجنة
، وهل يكبر الأولاد بها ، أم هل يهب الله تعالى ذرية لعباده الصالحين في الجنة دون توالد ، جميع هذه الأسئلة ترد في أذهان الكثير من البشر ، وهي من الأمور الغيبية التي اختلف كبار أهل العلم حولها .
هل يتوالد اهل الجنة
الله تعالى قد أعد من النعيم للمؤمنين في الجنة ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ؛ حيث قال الله تعالى : ” أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24) ” سورة الفرقان .
تصف الآية الكريمة حال أهل الجنة ؛ فيكونون في أفضل المواضع التي يسقرون بها في الجنة ، وهي منازلهم بها ؛ فهم في ذلك أفضل من حال المشركين و
المنافقين
الذين أُلقوا في النار ، وأحسن مقيلًا المقصود بها وقت القائلة في الدنيا ؛ حيث ينتهي الحساب يومئذ في نصف النهار ؛ فيدخل الأبرار الجنة ، ويُلقى بالفجار في النار .
ولا يكون في الجنة إلا كل ما تشتهي الأنفس من نعيم ، ومن صور النعيم ” الولد ” ، رأى مجموعة من العلماء أنه إذا تمنى العبد من أهل الجنة أن يكون له ولد ؛ فإن الله سبحانه وتعالى سيُحقق له هذه الأمنية ، ومن أبرز الدلائل على ذلك هو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
صحة حديث المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة
ورد في الهدي النبوي ما يلي :
عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله قال : ” المؤمنُ إذا اشتَهَى الولدَ في الجنَّةِ ، كانَ حملُهُ ووضعُهُ وسِنُّهُ في ساعةٍ كما يشتَهي ” .
الحكم على الحديث
- حديث صحيح حدثه الألباني ، وصحح الإمام الترمذي ، ولفظ الحديث عن كل من الترمذي ، وابن ماجة ، والإمام أحمد .
- أورد ابن القيم في حادي الأرواح : ” أن إسناده على شرط الصحيح ، ولكنه غريب جداً ” .
- كما أفاد بأن الأسانيد الجيدة لهذا الحديث هو إسناد الإمام الترمذي ، ومع هذا فقد حكم ابن القيم أنه غريب ، وأن لفظه قد اضطرب ، ولا يُعرف بغير حديث أبي صديق الناجي ” .
شرح الحديث
يُفيد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا تمنى الرجل في الجنة أن يكون له ولد ، وذرية ؛ فإن الله تعالى يُحقق له ما تمنى ، وتكون فترة الحمل ، وفترة الولادة ، بالإضافة إلى اكتمال سن ولده ليصل إلى سن أهل الجنة ، وهو عمر الثلاثة والثلاثين ، أو السن الذي يرغب الرجل أن يكون فيها ولده في غضون ساعة ، ومن الآراء حول ” كما يشتهي ” أنها تُشير إلى ما يشتهيه المؤمن من ملامح ولده ، وحالته ، والسن الذي يرغب فيه ، ونوع الولد من ذكر أو أنثى .
رأى الإمام إسحق بن راهويه أن المؤمن يومئد لا يشتهي الولد ؛ حيث قال : ” ولكن لا يشتهي ” ؛ ويعني أن ورود ” إذا اشتهى ” فهذا تقديرًا وافتراضًا ، وقد جاءت ” إذا ” بمعنى ” لو ” .
النكاح في الجنة
ذهب بعض العلماء إلى الرأي الذي يُفيد بوجود نكاح بين الزوجين في الجنة ، ولا يكون لهم ولد ، وذلك حسب رأي كل من مجاهد ، وطاوس ، والنخعي .
ومن المرجح أن يكون هذا الرأي مستند إلى الحديث الوارد في تحفة الأحوذي عن
أبو رزين العقيلي لقيط بن عامر
: ” إنَّ أَهلَ الجنَّةِ لا يَكونُ لَهم فيها ولدٌ ” .
-
والحكم على هذا الحديث
غير واضح
من قِبَل المحدث ، وهو ” المباركفوري ” .
هذا بالإضافة إلى الحديث الطويل الذي يرد فيه : ” قال : الصالحات للصالحين تلذونهم مثل لذاتكم في الدنيا ، ويلذذنكم غير أن لا توالد . قلت : يا رسول الله : هذا أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه ؟ قال : فلم يجبه النبي – صلى الله عليه وسلم – ” .
-
هذا الحديث حدثه ابن خزيمة ، و
اختلف العلماء حول صحته
؛ حيث رأى الإمام ابن القيم أنه صحيح ، وأفاد : ” عليه من الجلالة والمهابة ونور النبوة ما ينادى على صحته ” . - بينما تم تضعيف هذا الحديث من الإمام الألباني في ظلال الجنة .
- أما عن شعيب الأرناؤوط فقد أفاد أن إسناده ضعيف ، ومسلسل بالمجاهيل . [1] ، [2] .
رأي ابن القيم حول توالد أهل الجنة
أولًا :
أنه صحح حديث أبي رزين العقيلي .
ثانيًا :
رأى ابن القيم أن قول الله تعالى في الآية الخامسة والعشرين من سورة البقرة : ” وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا ۙ قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) ” ، وتحديدًا في ( أزواج مُطهرة ) أنها تقتضي طُهر نساء الجنة من الحيض ، والنفاس .
واستند في ذلك إلى قول مجاهد بأنها تكون مُطهرة من كل من الغائط ، والبول ، والمني ، والحيض، والولد ، والبصاق ، والنخام .
ثالثًا :
ربط الله تعالى أمور الحمل ، والولادة بالمني ، والحيض ، وفي حالة حمل نساء الجنة لن ينقطع عنهن الحيض ، وما شابه .
رابعًا :
في جزء من حديث الرسول عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” ولا يَزالُ في الجَنَّةِ فَضْلٌ حتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ لها خَلْقًا، فيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الجَنَّةِ ” . حديث صحيح ورد في صحيح مسلم .
استند إلى هذا الحديث ، ورأى أنه إذا وُجد في الجنة توالد فالفضل ، والأحقية ستكون لأولاد أهل الجنة .
خامسًا :
استند إلى قول الله تعالى في الآية الحادية والعشرين من سورة الطور : ” وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) ” ، وخاصةً في قوله ” ألحقنا بهم ذريتهم ” .
ويرى أن الله تعالى إذا أراد لأهل الجنة ذرية غير ذريتهم في الدنيا ؛ فإنه كان لَيُذكر في الآية إلى جانب ذكر ذرياتهم في الدنيا .
سادسًا :
من الآراء المحيرة التي لا تقتضي القطع برأي مُحدد أنه يرى افتراض وجود حالتين ، وهما :
- أن يكون التناسل في أهل الجنة مستمر إلى ما لا نهاية ؛ وبهذا يفترض وجود لا ينتهي ، ولا ينقطع من الأشخاص ، هذا بالإضافة إلى أنه لا يُمكن أن يموت أي نسل فلا موت في الجنة .
- أو أن التناسل يكون مُحدد بنهاية ، وهذا يتنافى مع اكتمال نعيم أهل الجنة ، ولذاتهم ، وهو أمر يستحيل حدوثه .
الأمر الذي يُبرهن بأن الإمام ابن القيم لم يرد قولًا فاصلًا في هذا الأمر .
سابعًا :
رأى أيضًا أن الجنة لا نمو فيها ؛ فجميع أهلها يكونون في عمر الثالثة والثلاثين ، والولادة تقتضي النمو ؛ وبهذا لا يُوجد ولادة في الجنة ، وأن الجنة ليست دارًا للتناسل ، وإنما للخلود فلا حاجة لهم بالنسل . [2]
وباستعراض جميع أراء الإمام ابن القيم ؛ فإنه لم يحدد بشكل قاطع وجود توالد في الجنة ، أم عدمه ؛ فذلك من أمور الغيب .