الأسلوب الخبري في القرآن الكريم
يعد القرآن الكريم حاملًا رسائل وأساليب متعددة كالخبري و الإنشائي والمجازي ويميل الإنسان دائما إلى سماع الأخبار، ولكن في قراءة القرآن الكريم يميل إلي الخبر السار الذي يأتي بين سطور كتاب الله حاملًا رسالةً وبشرى خير للقارئ حتى تزول غمته أو ينجلي صدره فيعد
الأسلوب الخبري
أكثر الأساليب مصداقية لأنه يفيد بأن الإخبار عن أمر ما ثابت وصادق لا يحتملحمل التشكيك أو البطلان لأن استخدام جملة خبرية يحمل صفة الثبات والاستقرار في الأمر الذي تخبر عنه خاصة فيما يورد ذكره بالقرآن الكريم ، في حين أن الجملة الفعلية تفيد الحركة والاستمرار، لكن تبقي الخبرية لها الأولوية عند القارئ.
الجملة الخبرية في القرآن الكريم
الجميع يقرأ القرآن الكريم ويتمعن فيه، فالله جل جلاله الذي لا يعجزه شيء لا بجد صعوبة في استعمال كلا النوعين من الجمل سواءً خبريةً أو إنشائيةً أو أسلوب تهديد وما شابه ؛ فهو يستعمل الجملة الخبرية غالباً للإخبار عن حدث ما كخبر صحفي، ولكن الأسلوب الخبري أغراضه البلاغية كثيرة تأتي حسب المعنى الذي يوحي به سياق الكلام، ففي القرآن الكريم قال تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
” إن الله غفور رحيم” ، هنا لم يكن أسلوبًا إنشائيًا أو مجازيًا بل خبريًا لكي يعلم القارئ أن الله هو الغفور الرحيم وأن الرحمة الألوهية هي الوحيدة التي تشمل الانسان في ضعفه ، أو ليقرر حقيقة كونية كقوله سبحانه ” الشمس والقمر بحسبان”، هنا الجملة خبرية وأيضا تحمل معنى الفعل وذلك جاء لتقرير الأحكام الشرعية، كقوله تعالى أيضا ” وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين”، الجملة خبرية ليعرف الجميع ان الصلاة واتمام الزكاة هما امر لا مجال للنقاش فيه .
الجملة الخبرية والفعلية
يبدو أن القرآن الكريم يُعبّر أحياناً عن الجملة الفعلية بالجملة الخبرية، ويعكس أحياناً أُخرى فيبدأ بالخبرية ، وتجد مرة أخرى يعبر عن الجملة الخبرية بالجملة الفعلية؛ كل ذلك لفائدة يريد تقريرها بل تأكيدها ، أو لتأكيد معنى يريد التنبيه عليه، نسعى في هذه السطور لتجلية كلا الأسلوبين مستعينين في ذلك بالأمثلة القرآنية وأقوال المفسرين الذين تنوعوا في التفسيرات ليصل نفس المعنى لكن بطريقة مختلفة .
الخبر بمعنى الأمر في القرآن الكريم
عند الاطلاع على تفسيرات الشيوخ والأئمة للقرآن الكريم فبعضهم قال إنه في بعض الآيات القرآنية يقول الله عن نفسه ” نحن”، وفي بعضها يقول ” هو”، ولم يكن ذلك بهدف البلبلة أو التشتيت في إرسال الرسائل لنا بل كانت ليذكر نفسه بالجمع أحيانا وبالمفرد أحيانا.
ولكن في تلك الاختلاف كان التفسير أنه من أساليب اللغة العربية أن الشخص يعبر عن نفسه بضمير نحن للتعظيم فتجدها في استخدام وكيل النائب العام الذي يقول “قررنا نحن وكيل النائب العام”، هنا الجمع للتعظيم من مكانة القاضي وعلو شأنه ، ويذكر نفسه بضمير المتكلم الدال على المفرد كقوله ” أنا “، وبضمير الغيبة نحو ” هو “، وهذه الأساليب الثلاثة جاءت لتذكرنا أن الإخبار ليس هو المقصود والمطلوب.
إنما طلب الفعل، وغالباً ما يُستعمل الخبر بمعنى الأمر كالتأكيد على الأمر والفعل، للمبالغة في الإيجاب، فيُجعل كأنه وُجِد، فهو يُخْبِرُ عنه ، كما قال الله تعالى في كتابه العزيز ” والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين”، فهنا عندما تم استخدام جملة والوالدات يرضعن، جملة خبرية لكي تعرف النساء أن عليهن إرضاع صغارهن لمدة عامين كاملين ، لكن معناها الطلب، والموافقة على ما تم الإخبار به وأيضا عندما تم استخدام ” والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء”، فهنا استخدم سبحانه وتعالى أسلوب الأمر المستجاب .
خروج الجملة من الخبر للأمر
قد تعد بعض الآيات القرآنية التى تحمل رسائل فعلية أو خبرية محل شك من القارئ إذا كانت تحمل أسلوب الخبر والمعني الأمر ففي الآية التي قال فيها الله سبحانه وتعالى ” الرجال قوّامون على النساء”، فهنا في هذه الآية خرجت مخرَج الخبر، ودخلت بمعناها إلى الأمر بمعنى وجب التنفيذ من النساء ، كما قال في القرآن ” أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين”، فالآية هنا تعد جملة خبرية، تخبر الناس بشيء محدد وهو أن المانعين لمساجد الله ما كان لهم أن يدخلوا مساجد الله إلا حال كونهم متلبسين بالخوف، وهذا الإخبار مراد منه الأمر.
بالإضافة إلى قوله تعالى في القرآن الكريم “إذا حضر أحدَكم الموتُ حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم”، فهنا تعد الآية الكريمة جملة خبرية بمعنى الأمر، أي: ليُشهد حاضر الوفاة منكم اثنين عدلين، وفي آخر الذكر لا الحصر فإن قوله تعالى ” تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله”، جملتان خبريتان بمعنى الأمر، أي: آمِنوا بالله، وجاهِدوا في سبيله، والتعبير بصيغة الخبر دون الأمر هنا – كما ذكر الآلوسي- للإيذان بوجوب الامتثال. كأن الإيمان والجهاد قد وقعا فعلاً، فأخبر بوقوعهما.
الأسلوب الخبري الذي يعني المنع
هل تأتي الجملة الخبرية فقط لتخبرنا بشيء ما ؟
هل تأتي بصيغة الخبر الذي يليه الأمر والطاعة؟ وجوب التنفيذ
بالتأكيد لا ،فالجملة الخبرية يمكن أن تأتي بأكثر من صيغة فكما تأتي بمعنى الطلب والأمر، فإنها تأتي أيضاً بمعنى الترك والنهي عن أداء فعل محدد ولكن بشكل الخبر بمعني أن أعطيك خبرًا لكي تمتنع عن فعل شيء معين، ولكي نسهل على القارئ عملية الفهم أكثر فمن أمثلة ذلك قوله تعالى في القرآن الكريم “لا يمسه إلا المطهرون”، فهذه جملة خبرية، معناها هنا كما ورد التفسير للمعني الإخباري هو النهي عن مسِّ القرآن حال عدم الطهارة.
الأمر عندما يأتي بأسلوب خبري
في الاتجاه المقابل، فإن الجملة الطلبية في القرآن قد تأتي بمعنى الأمر لفائدة ما، ومن الأمثلة القرآنية على هذا الأسلوب قوله سبحانه في سورة التوبة ” قل أنفقوا طوعًا أو كرهًا لن يتقبل منكم، فقوله تعالى “قل أنفقوا، أمر بمعنى الخبر ، كما جاء في قوله تعالى في سورة سبأ “سيروا فيها لياليَ وأيامًا آمنين”.
وأخيرًا ولكن ليس آخرًا ففي القرآن عدة صيغ للجمل الخبرية ولكنها بشكل آخر، أو تم وضعها في أكثر من قالب لتحتمل أكثر من صيغة ولكن نفس المعنى فإن الوقوف على هذه الأساليب القرآنية، ومعرفة المقصود منها غاية من الأهمية.
أمثلة لأنواع الأسلوب الخبري في القرآن
يعد الأسلوب الخبري ذا أغراض متعددة في البلاغة ولكن وجود الأسلوب الخبري في القرآن جعل كل أسلوب يأتي حسب المعنى الذي يوحي به سياق الكلام ومنها على سبيل الذكر:
- أولًا استخدام أسلوب : الإغراء المخاطب بشيء وذلك جاء في نصه “ولا يستوي الأعمى والبصير “.
- ثانيا استخدام أسلوب : المدح، عندما قال “إنّك لأنتَ الحليمُ الرشيد”.
- ثالثا استخدام أسلوب : إظهار الضعف والخشوع كما جاء في قوله ” رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي”
- رابعا استخدام أسلوب : إظهار التحسر على شيء محبوب كقوله تعالى ” قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى “
- خامسا استخدام أسلوب : إظهار الفرح كقوله تعالى “جاء الحق”.
- سادسا استخدام أسلوب : التوبيخ، كقولك “إنّ أبانا لفي ضلالٍ مبين”.
- سابعا استخدام أسلوب : التحذير، نحو “إن الشرك لظلم عظيم”.
- ثامنا استخدام أسلوب : الفخر، كما جاء في قول الله تعالى “أنا ربكم الأعلى” .
- تاسعا استخدام أسلوب : الاسترحام وجاء ذلك في قوله تعالى “رب اغفر لي ولوالدي”.[1]