كيف بدأت المقايضة
توالي الحاجات موجبات الفترة أو العصر الذي تظهر فيه؛ فالـ”حاجة هي أم الاختراع” دائماً. ومنذ أن بدأ الإنسان بالحياة البدائية على وجه الأرض، وهو يحاول اكتشاف العالم، ونفسه، واكتشاف نفسه من خلال العالم المحيط به. ومع تعدد حاجته للمأكل، والملبس، والمسكن -وكل ما اتخذ هيئة بدائية بالطبع-ظهرت الحاجة لتوفير بعض الحاجيات والتي كانت دائماً بحوزة الغير، ومقارنة بما هو في حوزة المحتاج، ظهرت الفكرة الأولى للتبادل القائم على البيع والشراء دون وجود أي معنى للنقود وقتها، حيث كان المعنى المفهوم ساعتها هو “المقايضة”.
كيف بدأت المقايضة
- تُعرف المقايضة بأنها النظام المحاكي لإحدى صور التجارة وهي عملية البيع والشراء ولكن دون اعتماد النقود؛ فقط تبادل للبضائع والسلع المملوكة، دون أي تدخل للوسيط .
-
اعتمدت العصور البدائية نظام المقايضة؛ خاصة مع توفر حالة من
الاكتفاء الذاتي
كانت تسود حياة الأفراد، والعائلات، والقبائل. - و لطالما تناسب هذا النظام مع المجتمعات البدائية لأنه في الأصل قائم على الاحتياج، وكيفية العمل على سد هذا الاحتياج.
- وكان للمقايضة أشكالاً متعددة في الماضي؛ وكان ذلك متوافقاً مع حاجيات المجتمع نفسه.
- اعتمد الكثير من علماء الاقتصاد عدم كفاية المقايضة، وظهور الكثير من العيوب بنظامها كأسا ليفسروا به ظهور النقود.
- واستناداً إلى أن المقايضة نظام شائع في المجتمعات البدائية أو التقليدية البسيطة؛ فقد ظهرت أيضاً في المجتمعات التي استطاعت أن تطور شكلاً ما من الأسواق.
- يُضاف أن المقايضة قد بدأت في الظهور قديماً بين أبناء العائلة الواحدة أو القبيلة الواحدة أو المجتمع الواحد.
- تتم المفاوضة في نظام المقايضة على خصائص ما يتم تبادله كبيع مع خصائص ما سوف يتم البدل به .
- يُعتبر انهيار الاقتصاد بدولة ما، أو حدوث انهيار للاقتصاد على مستوى قطاع كبير من الدول وهو ما يُسمى بالاقتصاد العالمي؛ نتيجة حدوث تضخم أو انكماش سبباً رئيسياً يفرض ظهور نظام المقايضة أيضاً.[1]
أهم صور المقايضة قديماً
- اختلف الأمر بين المجتمعات وبعضها البعض، فهناك من بدأ بتبادل الماشية مقابل ما تود الحصول عليه من بضائع.
- وفي مجتمعات أخرى تمت المقايضة بالمحار والقواقع والأصداف ؛وذلك بناءاً على بعض الإعتبارات الدينية.
- واعتمدت بعض المجتمعات تبادل الخدمات أيضاً كأحد أنواع المقايضة.
- كما أُعتمد شكل آخر في تبادل أثاث المنزل، أو الأدوات التي توجد به في عمليات المقايضة.
- وكان الطعام هو شكل آخر للمقايضة، وكانت المشغولات اليدوية، أو قطع الخُردة أحد أشكال المقايضة أيضاً.
تاريخ المقايضة قبل الميلاد
- ترجع البداية في التعامل بنظام المقايضة إلى بلاد الرافدينإلى سنة 6000 ق.م؛ حيث تم اعتماده من قبل الفينقيين.
- تبادل الفينيقيون مع الكثير من دول المحيط بضائعهم، وطور البابليين كثيراً في نظام المقايضة فأدخلوا فيه التوابل، والشاي، والأسلحة، وتمت المقايضة بالجماجم البشرية في كثير من الأحيان.
-
يُضاف الملح كوسيلة رئيسية للتبادل أيضاً؛ حيث كان وقتها يمثل
الرواتب
المدفوعة للجنود الرومانيين. - سافر الأوروبيون في العصور الوسطى حول العالم، وقايضوا بالفراء والمشغولات اليدوية خاصتهم لشراء العطور والحرير.
- تبادل الأمريكيون المستعمرون كرات المِسك، و جلود الغزلان، والدقيق.
- جدير بالذكر أنه عندما تم اختراع النقود، لم يتم الاستغناء عن المقايضة في المقابل بل أنها أصبحت مقننة أكثر.
- وعندما حدث انهيار اقتصادي كبير في عام 1930، ونقصت الأموال بشدة، تم اعتماد مقايضة الأغذية والخدمات المتنوعة.
- ولقد تم تبادل البضائع والخدمات في هذه الفترة وفقاً لبعض المجموعات التي كانت تحاكي أنظمة البنوك؛ فإن تم بيع أحد الأدوات أو المعدات، فسوف يتسلم المالك ديناً، ويُصبح حساب المشتري عبارة عن دين واجب السداد.
ابرز سلبيات المقايضة
- لا تعتمد المقايضة مقياس واحد أو محدد للتبادل؛ فهي متعددة الصور، ولهذا تتيح مزيداً من الغش أو الاحتيال.
- نادراً ما تتفق رغبات البائع والمشتري في الوقت ذاته.
- لا يمكن تقسيم السلع إلى أجزاء.
- لا يوجد وسيلة عامة، او شائعة يُتفق عليها لتخزين القيمة المدفوعة.
- لا يوجد نظام لحماية حقوق المستهلك، وهذا يعني أنه ربما تعرض بضاعتك أو خدمتك للتبادل مع خدمة أخرى ضعيفة أو غير مفيدة.
- عدم وجود ثقة من الأساس في التعامل مع البائع؛ والذي قد يفتقر إلى الخبرة أو الكفاءة في التعامل.
ولقد تسببت العيوب السابقة في توقف التعامل بنظام المقايضة، وظهور الحاجة لوجود نظام آخر يلغي العيوب السابقة، ويكون أكثر قوة وتعميماً لتعاملات اقتصادية عديدة.
هذا بالإضافة إلى إدراك الإنسان لمزايا العمل مفرداً، والتي بدأت في أثناء انتقاله من مجتمع لآخر، وزيادة معرفته بشكل أكبر بتقسيم العمل.
كيف اختلفت المقايضة حديثا
- ظهرت مزايا المقايضة في العصر الحديث بشكل قوي، خاصة بعد مرور الأفراد بفترات البطالة، أو وجود رغبات لا يُمكن أن تنفذ بسبب ضعف الموارد المادية.
- فمثلاً، أصبح بإمكان الأفراد مقايضة منازلهم بممتلكات أخرى، وهو ما يحدث بسهولة في حالات السفر أو الهجرة.
- وقد يحدث التبادل بالمنازل أيضاً، مع أصدقاء العائلة والذين يعيشون في مكان آخر؛ ويمكن أن يحدث ذلك لأسبوعين مثلاً أو شهر وفقاً لفترة العطلة ، أو السفر من أجل العمل، وما إلى ذلك من أمور.
- هناك أيضاً ما جعل بالإمكان مقايضة الألواح الإلكترونية بأجهزة الحاسوب المحمولة.
- ونزحت المقايضات لأدوات ومعدات أكثر؛ فتم مقايضة جزازات الأعشاب بأجهزة التلفاز.
- ميزة أخرى تظهر للمقايضة في العصر الحديث؛ وهي أنك لست مقيداً بتبادل خدمة نظير خدمة؛ فيمكنك مثلاً تقديم جهازاً لديك مقابل خدمة تريد الحصول عليها، والعكس صحيح؛ فإن أمكنك تصليح الدراجة، أو ضبط محرك السيارة لأحدهم ، فيمكنك الحصول على حذاء التزلج مثلاً.
- كما قد غدت الأوساط التي يتم من خلالها المقايضة أكثر يسراً؛ فبعد أن أصبح العالم كله ” قرية صغيرة” بفضل الإنترنت، زاد ذلك من مساحة التواصل للأشخاص وتبادل الخدمات أو السلع بناءاً على الاحتياجات الفردية أو الأسرية .[2]
رغم الانفتاح الذي يحياه العالم في الفترة الأخيرة، والذي يتيح كم هائل من الاختيارات من أجل تحقيق الأهداف بدءاً من تلك المتناهية الصغر إلى أعظمها درجة. إلا أن أكثر العواقب التي تواجه المقايضة هو عدم وجود ضمانات كافية لجودة الخدمات أو السلع المُقدمة، فضلاً عن الثقة في القائم بعملية التبادل كبائع بشكل خاص.
ويأتي وقت التسليم كعيب آخر يواجه أولئك المقبلين على نظام المقايضة ويشتتهم عن الرغبة في الاستلام، خاصة إذا اعتمد الأمر على انتظار شحنة جمركية، أو انتظار حقيبة سفر أحدهم .
ولكن، نحن الآن أما سؤال يبدو ي غاية الأهمية؛ فهل أصبح من العسير تحقيق المال في عصرنا الحديث؟
تتعدد منافذ وسبل العمل، حتى أصبح بكل مؤسسة عمالية إمكانية للعمل من المنزل لوظيفة أو أكثر. وعندما سادت ثقافة العمل من المنزل، زحف الجميع يسعون لتحقيق أموالاً طائلة. ربما لا تزال المقايضة موجودة، ولكن ليس كما هو الأمر في السابق.
فلم يعد ”
العمل من المنزل
” هو المنفذ الوحيد لتحقيق المقابل المادي العظيم، بل أصبح هناك مكان آخر للمسابقات التي تُرصد لها جوائزاً ومكافآت عبارة عن مبالغ طائلة، وهذا ما يتيح الفرصة دائماً للتفكير، في حقيقة احتياجي الحالي، و تقديري للمجهود الذي سأقدمه للـ”مقايضة”.