التمرد في علم النفس

يعتبر مفهوم “التمرد” من المفاهيم التي كثيراً ما تُحاط بعلامات الاستفهام؛ فهل هو حافز إيجابي لتشكيل شخصية الفرد في مراحل مبكرة؟ أم هو سمة سلبية يُمكن أن تُسبب الكثير من النتائج الغير محمودة على الفرد وعلى المجتمع من حوله؟ ولهذا يجب التعرف على مفهوم “التمرد” بشكل أكثر اقتراباً من المنظور السيكلوجي .

التمرد في علم النفس

  • يُعرف التمرد في علم النفس بأنه : “حالة الرفض لكل ما هو ثابت في القواعد المجتمعية أو العقائدية أو الأسرية، و التي تظهر فعلاً أو قولاً”.
  • يعتبر التمرد من وجهة النظر السيكولوجية هو أحد السمات الشخصية التي تظهر على سلوك الأطفال والمراهقين بشكل خاص.
  • يرجع تبني أو التزام الأطفال والمراهقين بالتمرد؛ إلى الضغط النفسي الذي يسببه انصراف أحد الوالدين أو كليهما عن الاهتمام بالأطفال أو تربيتهم.
  • يُمكن كذلك أن يزيد الرفض من أجل السبب أو اللاسبب من قبل الأهل من زيادة تعمد الأطفال للتمرد ، أو العكس .
  • يتنوع سلوك التمرد عند الأطفال والمراهقين بين ثلاثة أنواع؛ وهي التمرد المقصود، التمرد السلبي، التمرد الواضح.
  • يُمكن أن يتطور سلوك التمرد لدى المراهقين بشكل خاص فيأتي بما هو سلبي ويُصبح بمثابة ظاهرة سيئة جداً، ويُمكن أن يكون البداية لحدوث كل ما هو إيجابي، ويساهم في تطوير الجانب الإبداعي لدى الأفراد لي سن مبكر.

تمرد الأطفال في علم النفس

  • يمثل ظهور التمرد على شخصية الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة تحديداً، والتي تبدأ من عمر سنة ونص أو سنتين؛ أمراً طبيعياً كما يؤكد علماء النفس حيث أن الطفل يكون بصدد ظهور شخصيته، وتكونها في هذه المرحلة.
  • يظهر التمرد في هذه المرحلة بأشكال عدة مثل: الصراخ الدائم، أو

    البكاء

    الشديد لفترة طويلة حال عدم تلبية الطلبات، أو عدم الانصياع لتلبية أوامر الوالدين أو طلباتهم من الأساس.
  • يجب على الوالدين ملاحظة سلوك الطفل في هذه المرحلة، فلن يكن الأمر محموداً إذا زاد الأمر عن حده، ويجب عليهم حينها استشارة أخصائي تنمية المهارات للأطفال.

تمرد المراهقين في علم النفس

  • تُفسر حالة التمرد لدى المراهقين بالنزوح دائماً نحو الاستقلالية، وبالرغبة في إثبات الذات أمام جميع السلطات، و أولها سلطة الأهل.
  • يُرد الأمر أيضاً إلى التطور الذهني، والوجداني للفرد في هذه المرحلة العمرية الحساسة، والتي يتعرض فيها الجسد أيضاً لكثير من التغيرات الفسيولوجية والسيكولوجية.
  • يُضاف أيضاً ظهور سمة سلوكية تعتمد على مقارنة كل ما هو مثالي بما هو موجود في الواقع؛ فالطفل في مرحلة الطفولة المتأخرة أو المراهق يعيش مرحلة صعبة من مقارنة دائمة يعقدها بين كل ما يراه مثالياً في صور الإعلام مثلا، وبين ما يحياه.
  • يؤكد علماء النفس أيضاً أن أحد صور التمرد والتي تظهر في “الجدال من أجل الجدال” هي عبارة عن عملية عقلية يتطور فيها ذهن الفرد من مرحلة كانت تقتصر على تجميع المعلومات في الطفولة، إلى مرحلة تتحول فيها المعلومات إلى أفكار يودون تحريرها من خلال المناقشة.
  • يظهر التمرد عند المراهقين أيضاً في المظهر، فهم ينفعلون ويتحمسون لكل ما يرون ولهذا يسود التقليد لكل ما هو شائع وصاخب ، أو تابع لل”موضة” دون تمييز، أو تفكير، فكما سبق وأن ذكرنا يحاول المراهق من خلال تمرده إثبات شخصيته وسط الجميع بشتى الطرق.
  • تنتشر في بعض المجتمعات سلوكيات أخرى ينفس فيها المراهقين عن تمردهم، ورفضهم لكل ما هو ثابت، وواقعي تتجسد في بعض الأمور التي تمثل خرقاً للقواعد مثل شرب الكحوليات، أو تعاطي المخدرات، أو الدخول في علاقة مع الجنس الآخر، وبعض السلوكيات الجامحة مثل: قيادة السيارات أو المركبات بمختلف أنواعها وهكذا.
  • يربط علماء النفس أيضاً بين هذه السلوكيات الجامحة، وبين ارتفاع الجرائم كالسرقة، وخلافه بين الأطفال في عمر الحادي عشر والثاني عشر وحتى نهاية مرحلة المراهقة نتيجة التمرد الذي يحفز دائماً على “تجربة كل ما يكسر القواعد”.

أنواع التمرد عند الأطفال والمراهقين

ينقسم التمرد عند الأطفال في مراحل الطفولة (مبكرة ومتأخرة)، و مرحلة المراهقة، إلى ثلاث أنواع وهي :


  • التمرد السلبي

    : والذي يتقاعس يه الطفل أو المراهق عن ما يُطلب منه، فيدخل ذلك في إطار المماطلة، والتدليل.

  • التمرد الواضح

    : وهو شائع أكثر بين الأطفال، فيكون فيه الرفض لطلبات أو أوامر الوالدين عن طريق الصراخ أو البكاء.

  • التمرد المقصود

    : ويهدف بشكل رئيسي إلى استفزاز كل ذي سلطة؛ وعلى رأسهم الوالدين بالطبع، وهو ما يُطلق عليه “العِند”، فإذا طُلب منه أمر فعل عكسه.

التعامل مع الطفل أو المراهق المتمرد

  • إن الإقرار بحقيقة أن المراهقين أو الأطفال في طور التمرد ليسوا بالخطورة التي يبدون عليها أبداً لن يغير من الأمر شيء؛ فحتى أكثر المراهقين توازناً لديهم حس الجدال، والاختلاف الذي يصل إلى حد الصراع مع الوالدين !
  • يشير علماء النفس المعاصرون بأنه لابد من تهيئة المجال دائماً لوجود أمر يشترك ي القيام به الآباء مع أبنائهم؛ مثل توصيلهم من حفلات السينما، أو المسابقات، أو مباريات كرة القدم، فالمسافة بين المحفل والمنزل كفيلة للاستماع والرد والمناقشة.
  • كذلك فإن إتاحة الفرصة لمشاهدة فيلم أو مسلسل أو الاستماع إلى الموسيقى المفضلة، يتيح مجالاً أكبر من التدرب على أسس الحوار المتوازنة، وتعلم كيفية تجنب التحيزات وكل مما هو من شأنه أن يولد جدالاً.
  • ضرورة التأكد من إتاحة هذا التواصل في الأوقات الإيجابية فقط، وعند المواقف التي يبلي فيها الطفل أو المراهق بلاءاً حسناً؛ لأن هذه الأوقات هي ما تصنع التزاماً من قبل الطفل، وتحقق ارتباطاً جيداً مع والديه.[1]
  • نضيف أيضاً أنه يجب التوجه بالأطفال المتمردين إلى مراكز تنمية المواهب، أو النوادي، لأن مؤسسات مثلها وغيرها الكثير من شأنها أن تساعد الطفل في تطوير مهاراته، وإكتشاف ذاته، وتحقيق استقلاليته بشكل طبيعي وموزون.

تجاهل علاج حالة التمرد

  • الأمر في غاية الأهمية؛ إذ أن عدم تدارك سلوك التمرد الغير محمود، يمكن أن يتسبب في فساد سلوك الطفل، وبالتالي صعوبة تقويمه على المدى البعيد.
  • كما ويؤدي عدم علاج سلوك التمرد بالطفل إلى إنعزاله لفترات طويلة، قبل إيجاد المنفذ الذي سيسمح بسلوكه المتمرد والذي لن يزيد الأمر ساعتها إلا سوءاً.
  • هناك الكثير من الحالات التي تحدث لها الانتكاسات النفسية في مراحل الشباب والنضج بشكل خاص؛ نتيجة عدم تقويم سلوك التمرد عند بدايته، أو حتى عدم العمل على توجهيهه بشكل سليم إلى المناحي الإبداعية؛ كالهوايات مثلاً، أو ممارسة الرياضة، وخلافه.

مع ظهور تلك التغيرات السريعة التي تحياها المجتمعات يي شتى شئون الحياة؛ أصبحت الدائرة التي يسعى فيها الجميع لاحتواء المتمردين في سن مبكر أكثر تقلصاً من ذي قبل. الأمر الذي زادت معه صعوبة اتخاذ القرار، خاصة مع اتساع العالم أمام هذه الدائرة، وظهور الكثير من التحديات بشكل سريع ومفاجيء ومواكب لحركة العصر الذي نحياه.

لهذا تعين علينا التكاتف مهما تكلف الأمر، والعمل على تطبيق المشاركة بين الجميع كباراً وصغاراً في شتى أمور الحياة ومسؤوليات المجتمع؛ وذلك من أجل تحقيق مزيد من الاستقرار على كافة الأصعدة، وبشكل خاص الصعيد النفسي.