حوار بين القلب والعقل والروح
نتخبط كثيراً في الحياة ما بين رغبات القلب ومطالب العقل وما تمليه علينا الروح ونظن كثيراً أن السلام النفسي يكمن في هيمنة أحدهم على الآخر حتى نتمكن من حسم مختلف الأمور التي نمر بها بهدوء دون الحاجة للتخبط بين ثلاث قرارات كل منهما نابع من اتجاه معين، فرغبات القلب تهمين عليها العاطفة بشكل أكبر ومطالب العقل تسيطر عليها المنطقية بشكل كلي، فيما تملي علينا الروح أن نبحث دائماً عن الله في كل قرار. لذا فصاحب الصوت الأعلى والسلطة العليا من بين هؤلاء الثلاثة يكون هو المتوافق بشكل أكبر مع ما تربى عليه كل شخص ومع ما يعتنقه من مبادئ.
حوار بين القلب والعقل والروح عن الحياة
نعيش صراعات مختلفة في الحياة منها ما بين
الأحلام
التي سعى كل منها لتحقيقها ،والسعادة التي يسعى ورائها الجميع، وصراعات أخرى تتعلق بتحقيق الذات، وصراعات ترتبط بالآخرين من حولنا. وفي كل صراع يحتد الخلاف بين العقل والقلب والروح فلكل منهم رأي مغاير تماماً.
القلب
أستطيع رؤية الكثير من الأمور التي لا يتمكن العقل والروح من رؤيتها، فالعقل مشغول بالمنطق والروح مشغولة بالمثاليات وما بين تلك وتلك تختفي في بعض الأحيان العواطف التي لابد منها.
ففي كثير من الصرعات إن ترك الأمر للعقل بمفرده ستصبح الحياة منظمة للغاية بالفعل لكنها ستغدو كالصحراء الجرداء، فما يضيف لها الحياة هو مزيج المشاعر المختلفة التي أحتويها، والتي يكون السبيل الوحيد للفوز ببعض الصراعات هو ترك الأمور لها وحدها.
فرِقة القلب ولين المشاعر التي نفر منها العقل في كثير من الأوقات تكون الوسيلة الوحيدة للخروج منتصرين من العديد من صراعات الحياة التي تستهلك منا الكثير من الجهود لحلها، فبعض الانتصارات التي يحققها العقل بالمنطق ليست سوى انتصارات وهمية وبمرور الوقت تصبح هذه الحقيقة واضحة للجميع، ففي بعض الأحيان يتطلب منك الموقف أن تكون لطيفاً وليس أن تكون محقاً.
العقل
الصراعات المختلفة التي يمر بها الجميع في الحياة لا تتطلب سوى العالم والمنطق حتى تمكنوا من الخروج منها منتصرين، وهذا أكثر ما أبرع فيه، فإن ترك الأمر للعواطف التي يحويها القلب ستفسد الكثير من الأمور، وسيخرج المرء من هزيمة لهزيمة أخرى دون توقف.
أتمكن بكل ببساطة من التمييز بين الجيد والسيئ، واختيار أفضل الأشياء التي تضيف للحياة قيمة جديدة من خلال المفاضلة بين العيوب والمميزات.
الروح
بعكس ما يعتقده العقل والقلب فالصراعات في هذه الحياة لا يحسمها العقل بمنطقه أو القلب بعواطفه، فكثيراً ما يخلو منطق العقل من المبادئ والإنسانية، وبالمثل القلب كثير ما تخلو مشاعره وعواطفه من الصواب، وهنا يأتي دوري كي أوازن بين منطقية العقل وعاطفة القلب بصواب الروح.
فغذائي هو عبادة الله جل وعلا التي تتطلب مني أن اميل تلقائياً لكل ما يرضي الله سبحانه وتعالى ويجعلني من الصالحين، والنجاة من صراعات الحياة تستدعي أن تكون الروح مشبعة بذكر الله لتحكم بين قرارات العقل والقلب بما يرضي الله في نهاية المطاف وليس بما يرضي أي منهما.
حوار بين القلب والعقل والروح عن الحب
الحب من أكثر الصراعات التي تنشب بين العقل والقلب والروح فلكل منهم وجهة نظر مختلفة تجاهه سواء كان الحب بين الأهل أو الأصدقاء أو الأحباء، فعدم القدرة على التوفيق بين الأطراف الثلاثة هو ما ينشب الصراع بينهم لذا على كل شخص أن يستمع لما يحدثه به كل من العقل والقلب والروح عن الحب.
القلب
الحب هو الطاقة الرئيسية التي تتوقف عليها حياة المرء، فمن لم تعرف المحبة طريقاً لقلبه سيحيا حياةً مظلمة تخلو من الرحمة والرأفة والمودة، فالحب هو ملكٌ يتربع على عرش مختلف المشاعر الإنسانية والقلب الذي يلا يسكنه الحب لن يعرف طريقاً للسعادة.
الحب هو ما يدفعنا للتضحية بالنفيس والغالي في سبيل سعادة من نحب وهو ما يحركنا لمساعدة الآخرين دون تفكير، هو الشيء الوحيد الذي يلا يتطلب وضع قائمة مطولة من الشروط التي يجب أنطباقها على من نحب، فنحن القلوب كثيراً ما نحب أشخاص ربما يختلفون كل الاختلاف عنا في الطباع والصفات لكننا نلتفت دائماً لما لا يتمكن العقل والروح رؤيته.
العقل
إن لم يجتمع الناس على المحبة فسيجتمعون على الكراهية لا محالة وحالنا حال القلوب فنحن نعي أهمية الحب تماماً، لكن ما يجعلنا نختلف معهم هو فكرة المحبة المطلقة التي تؤثر سلباً في غالبية الأحيان على الروح والعقل بل والقلب أيضاً.
القلب يريد محبة غير مشروطة لكن المنطق يقول بأن جميع الأطراف في مختلف العلاقات الإنسانية لديهم حقوق وعليهم واجبات، فإن منح طرف واحد كل شيء بدافع أن المحبة والعطاء يجب أن تكون غير مشروطة ولا نهائية مهما حدث سيتعرض هذا الشخص للاستغلال وستنفذ طاقته على العطاء عاجلاً أم آجلاً، ويأتي هنا دور العقل الذي لا يمنع الحب أو العطاء بل يمنع الاستغلال واستنزاف الشخص طاقته ومشاعره.
أن تحب الجميع ولا تحمل في قلبك ضغينة تجاه الآخرين هو أمر مطلق متروك للقلب، لكن أن تحمي نفسك من الدخول في علاقات سامة تستنزف روحك وعقلك وقلبك أمر متروك للعقل.
الروح
الروح تميل لمن تألفه وتشعر معه بالأمان والطمأنينة لذا أرى أن مسألة الحب يجب أن تخضع لتعاون جميع الأطراف، فإن تحكم العقل بالحب وحده ساده المنطقة وخلى من المشاعر وإن سيطر القلب على الحب بمفرده أغرق صاحبه، وإن تجاهل كل منهما رأي الروح في هذا الأمر هي مسألة وقت حتى يتنافر الطرفان فمن لم تألفه الروح لن يسكن القلب مهما حاول الطرفان.
حوار بين القلب والعقل والروح عن الدين
خلقنا في الحياة الدنيا لعبادة الله سبحانه وتعالى، والعبادة موجودة في كل صورة من صور الحياة وليست مقصورة على العبادات الظاهرة مثل الصيام والصلاة، لذا العقل والقلب والروح يؤدي كل منهما دور هام في العبادة.
القلب
أحوي العواطف جميعها ومنها محبة الله والتوق للقاءه والخوف من عذابه وعقابه، ودون هذه المشاعر يصبح قلب المرء قاسياً وجاحداً لا يتحرك سوى لشهواته، فمن لم تسكن محبة الله في قلبه سكنتها محبة الدنيا، ومن لم يسكن الخوف من الله في قلبه سكنه الخوف من الناس.
العقل
المنطق والعلم الصحيح النافع هو ما يدفعني وما يحركني في هذه الحياة، حتى أتمكن من التفرقة بين الصواب والخطأ وابتعد قدر الإمكان عن كل ما يغضب الله سبحانه وتعالى، لذا لا اختلف في هذا الأمر كثيراً عما يعتنقه القلب فإن كان القلب يجمع بين محبة الله والخوف من عذابه، فأناج أجمع بين العلم والمعرفة التي تمكنني من التفرقة بين الصواب والخطأ.
الروح
الروح السليمة هي التي تعرف طريقاً واحداً فقط هو مرضاة الله سبحانه وتعالى، هي التي تسبح في جسد يضم قلباً سليماً وعقلاً قائماً على الفطرة السليمة والمعرفة الصحيحة بما لا يترك سبيلاً لتشوهها.
والسبيل الوحيد في هذه الحياة لتحقيق حياة متوازنة والتغلب على الصراعات المختلفة القائمة في الحياة، هي أن يحوي الجسد روحاً مؤمنة بقضاء الله وقدره متوكلة عليه في كل خطوة كبيرة كانت أم صغيرة.
في النهاية إن أمعنا النظر في وجهات النظر المختلفة التي يعتقنها القلب والعقل والروح حول الحياة والحب والدين سنجد أنها غير متنافرة، والحكيم فقط هو من يتمكن من التوفيق بين ثلاثتها حتى يحظى بحياة سعيدة فلا نجاة بواحدة دون الأخرى فالثلاثة يمثلون ضلع في مثلث تنحصر بداخله الحياة.