ما هي الحكمة من الابتلاءات
الابتلاء يمكن أن ينظر له على أنه منحة من الله – عز وجل – ويمكن أن ينظر له على أنه محنة ، والفرق بينهما كبير جداً ، فأن عباد الله المؤمنين يعلمون أن لا شيء في هذا الكون يحدث هباءً وإنما لحكمة يعلمها الله وحده ، فأن أبلغ
أسماء الله الحسنى
هو الحكيم ، وهناك العديد من الأحاديث التي تدل على الجزاء الكبير الذي يحصل عليه من يبتليه الله – عز وجل – ، فالكثير من العلماء يصف البلاء على أنه تطهير للعبد من ذنوبه ، وأثامه فهو بذلك خير له ، ولكن الإنسان بتفكيره المحدود يحسبه شراً له فكما قال الله – عز وجل – : ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيراً لكم ).
تعريف الابتلاء
يعرف علماء الاصطلاح البلاء على أنه اختبار ، وامتحان للعبد ، سواء كان خيراً أو شراً وكما قال أبو الهيثم: ( البلاء يكون حسنًا ويكون سيئا، وأصله المحنة ) ، والله – عز وجل – يبلو عبده بالصنع الجميل ليمتحن شكره ، ويتلوه بالبلوى التي يكرهها ليمتحن صبره ، وقد ذكرت كلمة الابتلاء ومشتقاتها في القرآن سبعة وثلاثون مرة. [1]
أنواع الابتلاء
الابتلاءُ بالضّراء
هذا النوع من الابتلاء هو الأشهر بين العباد ويحدث عن طريق وقوع أمر يشعر المرء بالألم عندما ينزل به ، مثل موت شخص يحبه ، أو الإصابة بمرض من الأمراض ، أو خسارة شخص عزيز عليه ، أو خسارة الكثير من الأموال ، فأن المؤمن حتى وأن لم يعلم حكمة الله – عز وجل – من هذا الابتلاء فأنه يصبر ويحتسب لأنه يعلم أن هذه الدنيا هي دار ابتلاء وأن الراحة الأبدية في الأخرة.
الابتلاء بالسّراء
هناك الكثير من الناس يظن أن الابتلاء بالضر أشد من الابتلاء بالسراء ، ولكن الحقيقة أن الابتلاء بالضر وأن كان الألم فيه في الدنيا فأن الابتلاء بالسراء يكون في الأخرة أكبر لأن المبتلى في المال ، أو فقد العزيز يكون له الأجر في الأخرة على صبره على البلاء ، أما الابتلاء بالسراء هو أشد أنواع
البلاء
فأن الإنسان عندما يكون غنياً وهذا الغنى يجعله يغفل عن أهله أو يتكبر على الخلق فهذا أبتلاء من الله – عز وجل – له فقد له في كتابه الكريم : ﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾. [1]
الحكمة من نزول البلاء
هناك الكثير من الحكم التي يعلمها الله لنا عن طريق البلاء ومن أهم هذه الحكم : [2]
- الرجوع إلى الله فأن هناك الكثير من الناس لا يعودون إلى الله – عز وجل – إلا بعد وقوع البلاء فقد قال تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) .
- قدرة الإنسان على التمكين في الأرض من الله – عز وجل – فقد قيل للإمام الشافعي رحمه الله : أَيّهما أَفضل : الصَّبر أو المِحنة أو التَّمكين ؟ فقال : التَّمكين درجة الأنبياء ، ولا يكون التَّمكين إلا بعد المحنة ، فإذا امتحن صبر ، وإذا صبر مكن .
- مغفرة الذنوب من الله – عز وجل – فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه ، وولده ، وماله ، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة ) فأن الابتلاء يكون تطهير العبد من ذنوبه.
- الابتلاء يرفع درجات العبد في الجنة ويحط عنه الكثير من الدرجات في النار فقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم : ( ما يصيب المؤمن من شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة ، وحط عنه بها خطيئة).
- التفكر في الأخطاء التي قام بها العبد حتى يصل به الحال إلى هذا الأمر ، وهل وقوع الابتلاء لتقصير منه ، وكثرة لذنوبه أم لتطهيره من الذنوب ومحبة من الله – عز وجل – له ، فإنَّ الله تعالى يقول : ( وَلَنُذِيقَنهُم منَ العَذَابِ الأدنَى دُونَ العَذَابِ الأكبَرِ لَعَلهُم يَرجِعُونَ ).
- هناك حكمة كبرى من الابتلاء وهي أن يعلم العبد حق العلم أنه لا يمكن لأحد في هذه الدنيا أن يرفع عنه الضر إلا الله – عز وجل – وأن يتوكل عليه حق التوكل في أموره كلها ، ولا يغره نفسه ويعلم أنه ليس له من أمره شيئاً وأن الأمر كله بيدى الله.
- قال ابن القيم” واقتضت حكمته سبحانه أن أذاق المسلمين أولاً مرارة الهزيمة والكسرة مع كثرة عَدَدِهم وعُدَدِهم وقوة شوكتهم ليضع رؤوسا رفعت بالفتح ولم تدخل بلده وحرمه كما دخله رسول الله واضعا رأسه منحنيا على فرسه حتى إن ذقنه تكاد تمس سرجه تواضعا لربه وخضوعا لعظمته واستكانة لعزته ” وقال الله تعالى : ( وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِين ) .
- البلاء والمحنة هي من أكثر الأشياء التي يمكن لها أن تجعلك تحمد الله ( عز وجل ) على النعم الموجودة لديك وتشعرك كم النعم التي يحيطك بها الله وأنت لا تردي.
- أن الله يربي عبده دائماً بالصبر على الابتلاء ، حتى يعلم أنه لا نافع ولا ضار له في هذه الحياة إلا الله – عز وجل – .
- المحنة هي أكثر شئ يمكن أن يكشف لك حقيقة الأشخاص من حولك ومن منهم يحبك ، ومن يدعى المحبة .
-
كما قال الشاعر:
جزى الله الشدائد كل خير وإن كانت تغصصني بريقـي
وما شكري لها إلا لأني عرفت بها عدوي من صديقي. - المؤمن حين يبتليه الله – عز وجل – فأن الدنيا كلها تصغر في عينيه ، ويشعر بحجمها الحقيقي ، وأنها كل متاعها إلى زوال وأنها لا تساوى عند الله جناح بعوضة فقد قال الله – عز وجل- : ( وَإِن الدارَ الآخِرَةَ لَهِىَ الحَيَوَانُ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ ) ، ( لَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ في كَبَدٍ ) .
-
من أكثر الأشياء الجميلة التي يجعلنا الابتلاء نشعر بها هو أننا نشتاق إلى الجنة والرجوع إلى الله – عز وجل – ونعلم علم اليقين أن الراحة في الجنة فقد سئل الإمام أحمد بن حنبل متى الراحة يا إمام ؟ فقال عند أول قدم توضع في
الجنة
.
آداب التعامل مع الابتلاء
- يجب على الإنسان أن يتأدب مع الله – عز وجل – في كل وقت حتى عند وقوع الابتلاء ، وأن يعلم حق العلم أنه لحكمة من الله وأن كان لا يعلمها بتفكيره المحدود ولكنه ما حدث إلا لحكمة بالغة.
- أن يعلم حق العلم أن الله – عز وجل – إذا أحب عبداً ابتلاه ، وأن هذا البلاء تطهيره من الذنوب ورفع درجاته في الجنة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن عظم الجزاء مع عظم البلاء ، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضى ، ومن سخط فله السخط ).
-
يجب أن يحصن العبد نفسه ويخفف من ألم الابتلاء بكثرة الذكر ، و
الاستغفار
، والتقرب من الله والدعاء بأن يكشف عنه البلاء. - أن يقتدي بالأنبياء والصالحين ، عند وقوع البلاء وأن يعلم أنهم كانوا أشد الناس بلاءً ، وأكثر الناس صبراً ، وأن الصبر على البلاء يجعله معهم في جنات النعيم حيث لا ابتلاء ولا تعب ولا شقاء. [3]