ما هي الفلسفة السوفسطائية
لطالما سمعنا أن شخصا ما يصف حديثا على أنه حديث سوفسطائي، لكن هل تساءلت يوما عن معنى السوفسطائية، هل كنت تظن أن هذه الكلمة تحمل في ثناياها إرثا فلسفيا عظيما، إذن فما هي السوفسطائية، ومن هم أبرز فلاسفة هذه المدرسة؟ وكيف نظروا إلى المعرفة والأخلاق و القانون والدين والجمال؟ وأين تتجلى مكانتهم في تاريخ الفلسفة.
تعريف السوفسطائية
إن السوفسطائية هي مدرسة فلسفية يونانية ضهرت في القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد ، و عرفت هذه المدرسة بفنون الخطابة والجدل واستمالة الجمهور ، وتشير الكلمة اليونانية سوفيسطوس الى معلم علم البيان والجدل ، إن السوفسطائية في بداياتها كانت صفة تميز الشخص الخطيب المتمكن من قواعد الجدل والبلاغة ، لكن لا بد من الإشارة أن الجدل السوفسطائي مختلف عن الجدل العادي ، إذ يقصد بالسفسطة الكلام الذي فيه تمويه للحقائق وقلب لها باستعمال أدوات الخطابة وأساليب الحجج، مع صرف الذهن أيضاً عن الحقائق والأحوال الصحيحة أو المقبولة في العقل ، وتضليل الخصم عن الوجهة الصحيحة. [1]
مميزات مدرسة
السوفسطائية
تميزت هذه المدرسة باهتمامها بفن الخطابة والجدل ، ولكن ليس للبحث عن الحقيقة وإنما من أجل التغليط والتمويه، فالحقيقة مرتبطة لديهم بحسب منفعتها وليس لها أي قيمة خارج هذه المنفعة ، وكانوا يتباهون بتأييد القول الواحد ونقيظه على السواء و تقديم الحجج في مختلف المسائل والمواقف ، كدفاعهم عن الخير والشر في نفس الوقت، والحق والباطل ، والعدل والظلم ، قس على ذلك تشكيكهم في الدين وشعائره ، و هناك صفة أخرى تعتبر صفة جوهرية كانت تميزهم، وهي تجارتهم بالعلم، فكانوا بذلك معلمين وخطباء ، ولم يكونوا حكماء.
فلاسفة المدرسة السوفسطائية
يتفق معظم الباحثين على صعوبة تحديد فلاسفة هذه المدرسة نظرا لعدم وجود نصوص تاريخية ومصادر موثوقة، فكل ما وصلنا من اليونان القديم مجرد شذرات، لكن مما لا يدعو للشك أن بروتاغوراس ( ٤٨٠-٤١٠) و جورجياس أو غورغياس (٤٨٠-٣٧٥)، يعتبران من أبرز ممثلي التيار السوفسطائي بلا منازع، إذ أشار كل من أرسطو وكذلك
افلاطون
في كتبه المسمات بالمحاورات الأفلاطونية إليهما.
نظرية السوفسطائين في المعرفة
إن المعرفة حسب السوفسطائيون هي معرفة حسية، تجعل من الحواس الوسيلة التي بواسطتها نتعرف على الحقائق والعالم الخارجي ، غير أن المعرفة التي تمدنا بها الحواس هي معرفة ذاتية، بمعنى أنها تختلف من شخص إلى أخر، ولا توجد حقيقة واحدة أو معرفة مطلقة بل المعرفة نسبية ، فالخير أو الشر يختلف النظر إليهما من شخص إلى أخر والأمر نفسه بالنسبة للمواضيع الأخرى، و المعرفة بهذا المعنى متطورة ونسبية في الزمان والمكان لهذا كان السوفسطائين دائما يرددون عبارة ” إن الإنسان هو مقياس كل شيئ “، مقياس الخير والشر ، الحب و الكراهية، و معنى أنه مقياس كل شيء، أي أنه هو من يعطي للحقائق قيمة، وليس الحقائق هي من تعطي للإنسان قيمة.
نظرية السوفسطائين في الأخلاق
ذهب السوفسطائيون إلى النظر للأخلاق على نفس منوال المعرفة، فهي ذاتية وقيمتها مختلفة متغيرة في الزمن والمكان ، فما يمكن أن يكون شرا بالنسبة لي يمكن أن يكون خيرا بالنسبة للأخرين ، وما يمكن أن يكون محرما في ثقافة ما أو في دين ما، قد يكون مشروعا في ثقافة أخرى ، ومصدر الأخلاق في تصورهم هو الحواس وليس العقل فهي وسيلة لإشباع الرغبات الحسية كالمأكل والمشرب ، وليست وسيلة لإشباع الرغبات الروحية والعقلية. [2]
نظرية السوفسطائيون للجمال والفن
إن
مفهوم الجمال
يسري عليه ما يسري على الأخلاق والمعرفة ، فهو نسبي وذاتي مصدره الذات الإنسانية ، ويختلف باختلاف الذوات في المكان والزمان أما الفن فهو ظاهرة إنسانية ، ومرجع القيم الجمالية والفنية هو اتفاق الناس في الزمان والمكان ، و قد نفى السوفسطائيون أي مصدر إلهي ومقدس للجمال والفن كما هو معتقد مع الديانات الشرقية القديمة التي تؤمن بوجود إله للجمال ، فالفن هو فعل إنساني ومهارة مكتسبة بالخبرة والتعلم وليس موهبة إلهية.
السوفسطائيون و الدين
يعتبر الدين إحدى أهم الأقطاب الفكرية التي تناولها السووفسطائين ، وينظر إلى الدين باعتباره صنع إنساني ، إذ يعزى منشأه لعدم قدرة القانون البشري على تخليص الناس من العنف والخوف والجهل، وبالتالي كان لابد من اختراع قانون إلهي من أجل توحيد مشاعر الناس تجاه القانون، ويعبر عن هذا القول كيريتياس الشاعر السوفسطائي بالقول ” وكما أن القوانين تمنع الناس من العنف بشكل مكشوف ، من هنا قد يكون اقتراف الإثم سريا ، ولذا يخيل لي أن ثمة إنسانا ماكرا قد أوجد خوف الإنسان من الألهة بحيث إذا أقترف أحدهم إثما أو ارتكب خطأ بالقول أو بالفعل سيخاف حتى وإن كان فعله سريا ” ، بمعنى أن الدين عند السفسطائيون كان هدفه السيطرة على مشاعر الناس في الجهر والخفاء ومساعدته للقانون.
السوفسطائيون والقانون
إن القوانين التي كانت سائدة في اليونان قد جعلت السوفسطائيون يفكرون في بديل للقوانين الطبيعية physei ونقيظ للنواميس nomo أي القوانين الإلهية ، ذلك أن هذه القوانين تلزم البشر بالقبول بأمور خارج طبيعتهم الإنسانية، ونظرا لهذه الاعتبارات كان البديل هو القانون الوضعي الذي يضعه المشرع حتى يتسنى له التوافق مع الطبيعة البشرية ليكون له قبولا عند الأغلبية، واقد اختلف القول في القانون من فيلسوف سفسطائي إلى أخر ، و ذلك لاختلاف وجهات نظرهم ، إذ نجد مثلا على سبيل المثال لا الحصر، تراسيماخوس يرى بأن القانون هو أداة يسيطر بها الأقوياء على الضعفاء ، من جهة أخرى نجد كاليكلاس وهو شاعر ومفكر سوفسطائي يذهب نقيض ذلك بقوله، إن القانون هو أداة يتساوى بها الأقوياء والضعفاء ، فيما ذهب كاليكلاس إلى اعتبار القانون ضمانة متبادلة بين المواطنين.
أهمية الفكر السوفسطائي ومكانته
تشكل السوفسطائية جزءا لا يتجزأ من تاريخ الفلسفة اليونانية ، إذ يشكل فكرهم قطيعة مع الفكر التقليدي الطبيعي لدى اليونان ولدى الشرق القديم بصفة عامة ، وكان لهم تأثير كبير في تاريخ الفلسفة سواء فيما يخص المعرفة أو القانون أو الأخلاق أو الدين والجمال ، يضاف إلى كل هذا الربط الكبير بين مسألة اللغة والخطابة والفلسفة، أضف إلى ذلك قدرتهم النقدية الكبيرة وهذا ما يتجلى في انتقادهم للقيم الأخلاقية السائدة، سواء على مستوى الدين أو القانون ، الأمر الذي مهد الطريق للفلاسفة لاستعمال العقل بدلا من
الأسطورة والخرافة
. [3]
لا يمكننا أن نفهم المرحلة اللاحقة من الفكر إلا بالرجوع إلى الفكر السوفسطائي وفهمه بشكل جيد ، ذلك لأن الفلسفة اللاحقة ستأتي كرد وكنقد على التقاليد الفكرية السوفسطائية، وبالأخص الفلسفة الأفلاطونية والأرسطية.
إن الحركة السفسطائية إذا لها فلسفة قائمة الذات ، رغم النعوت المغالطة التي ألصقت بهم وبفكرهم الفلسفي، و رغم التحريف الذي طال فكرهم و اصالتهم الفلسفية، ولعل مجمل الانتقادات التي وجهت إلى الحركة السوفسطائية هي تلك الانتقادات التي قدمها سقراط بأسلوبه التوليدي في الحوار، وتبعه أفلاطون تلميذ
سقراط
في تلفيق الانتقادات التي طالت الفكر السوفسطائي.