حقيقة طاعون عمواس

ماهو طاعون عمواس

طاعون عمواس أو المرض الأسود ، من

أشهر الأوبئة

التي واجهت بلاد المسلمين ، والتي تنبأ بها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر أنها ستحدث من بعده ، إضافة إلى علامات أخرى متتالية ، وقد أتى ذكر حقيقة طاعون عمواس في الحديث الشريف كالتالي:

حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ العَلاَءِ بْنِ زَبْرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ بُسْرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ ، قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ ، فَقَالَ : اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ : مَوْتِي ، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ المَقْدِسِ ، ثُمَّ مُوْتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الغَنَمِ ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ المَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا ، ثُمَّ فِتْنَةٌ لاَ يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ العَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأَصْفَرِ ، فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً ، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا.  [1]

وقد حدث بالفعل ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعد

وفاة الرسول

في السنة 11 من الهجرة ، كان فتح بيت المقدس في العام 15 من الهجرة على يد سيدنا عمر بن الخطاب ، وبعدها جاء الموتان ، وهو الوباء الذي انتشر بين الناس وقضى عليهم ، وباء طاعون عمواس ، والذي شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم  في الحديث بقعاص الغنم.


تشبيه طاعون عمواس بقعاص الغنم

شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم طاعون عمواس بقعاص الغنم ، وقعاص الغنم عبارة عن عدوى بكتيرية تصيب الأغنام ، فتجعلها تخرج سيل من أنوفها ، وتمكث مدة قصيرة وتموت ، والتشبيه هنا لأن وباء الطاعون مرض مميت ، يتنشر بين الناس ويتسبب في الموت بشكل سريع ، وهذا ما حدث بالفعل بعد وفاة الرسول كما تنبأ ، فقد أودى بحياة أكثر من 70 ألف في خلال ثلاثة أيام.


طاعون عمواس يضرب بلاد المسلمين

وقع

وباء الطاعون

في العام 18 من الهجرة ، في عهد أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب ، ولم يسبق أن شاهدت بلاد المسلمين مثل هذا الوباء من قبل ، وقد سمي بطاعون عمواس ، نسبة لظهوره في بلدة عمواس ، وانتشر هذا الوباء اللعين وقضى على جموع من الناس ، والعديد من الصحابة رضى الله عنهم ، نذكر منهم : أبي عبيدة ، وأبي جندل سهل بن عمر وأبيه ، ومعاذ بن جبل ، والفضل بن العباس بن عبد المطلب ، ويزيد بن أبو سفيان.


موقف المسلمين من ظهور وباء طاعون عمواس

وكما ذكرنا أنه لم يسبق أن مر على المسلمين مثل هذا المرض المميت من قبل ، لذا تباينت ردود أفعال المسلمين المرتبكة الهلعة ، على النحو التالي ، فمنهم من اقترح الهروب من الوباء إلى البلدان المجاورة ، ومنهم من رأى أن هذا الهروب بمثابة هروب من قدر الله ، وكفر بقضاء الله.

وقد أمر سيدنا

عمر بن الخطاب

بترك المدينة ، والتوجه لبلاد الشام ، فرارًا من هذا المرض المميت ، الذي انتشر بين الناس ، وقد واجه عدة تحديات أبرزها ،

قسمة المواريث

، حيث كان الوباء يقضي على العائلات بسرعة وتتابع ، مما يصعب عملية قسمة المواريث ، ويثير الأطماع ، وقد تولى عمر بن الخطاب تقسيم المواريث بنفسه ، وقام بها على أكمل وجه بشكل عادل طيبت قلوب المؤمنين ، ولكن كان المرض مستمر.


نهاية طاعون عمواس على يد عمرو بن العاص

وقد عاش المسلمين هلع كابوس طاعون عمواس ، حتى استخلف

عمرو بن العاص

رضي الله عنه المسلمين ، بعد وفاة معاذ بن جبل بمرض الطاعون ، وقد جعله الله سببًا لكشف تلك الغمة عن المسلمين ، فخطب بالناس وقال : أيها الناس إن هذا الوجع إذا وقع ، فإنما يشتعل اشتعال النار ، فتحصنوا منه في الجبال.  [2]

فقد كانت دعوته للناس بالتشتت والتباعد فترة زمنية ، بين الجبال والأودية ، حتى يختفي هذا الوباء ، حيث نظر إليه على أنه مثل النار ، ان لم تجد ما تأكله وتحرقه ، أحرقت نفسها وخمدت ، وبالفعل هذا ما حدث مع الوباء ، حينما تفرق الناس وانعزلوا عن بعضهم البعض ، وابتعدوا عن الأرض المنتشر بها الوباء ، انحصر الفيروس المميت في أرضه حتى اختفى.

وفي الطب الحديث يذكر أن تواجد شخص في أرض موبوءة ، تجعله حامل للفيروس حتى وان لم تظهر عليه أعراض المرض ، وحين انتقاله لأرض أخرى ينقل العدوي دون أن يدري ، لذت فقد كان تصرف عمرو بن العاص تجاه هذا الوباء ، بمثابة حجر صحي بمفاهيم الطب الحديثة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإذا كان بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا منها، وإذا سمعتم به في أرض، فلا تدخلوها. [3]


حكم المتوفي بطاعون عمواس في الإسلام

وقد أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم لمتوفي بمرض الطاعون ، بمثابة الشهيد ، حينما قال : ليس من عبد يقع الطاعون فيمكث في بلده ، صابرا أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له ، إلا كان له مثل أجر

الشهيد

.. رواه البخاري. [4]

بل جاء في بعض الأحاديث استواء شهيد الطاعون وشهيد المعركة ، فأخرج أحمد بسند حسن يأتي الشهداء والمتوفون بالطاعون ، فيقول أصحاب الطاعون : نحن شهداء ، فيقال : انظروا فإن كان جراحهم كجراح الشهداء ، تسيل دمًا ،  وريحها كريح المسك ، فهم شهداء ، فيجدونهم كذلك.

وعند أحمد أيضاً والنسائي بسند حسن يختصم الشهداء والمتوفون على فرشهم ، إلى ربنا عز وجل في الذين ماتوا بالطاعون ، فيقول الشهداء : إخواننا ( الذين ماتوا بالطاعون) قتلوا كما قتلنا ( أي فهم مثلنا شهداء) ، ويقول الذين ماتوا على فرشهم : إخواننا ماتوا على فرشهم ، كما متنا ، فيقول الله عز وجل : انظروا إلى جراحهم ، فإن أشبهت جراح المقتولين فإنهم منهم ، فإذا جراحهم أشبهت جراحهم وفي رواية زيادة فيلحقون بهم. [5]


وباء الطاعون طبيًا

ووباء الطاعون مميت للإنسان ، فالطاعون هو حمى معدية ، تسببها بكتيريا تسمى : يرسينيا بيستيس Yersinia pestis ، وهي بكتيريا تنتقل من القوارض إلى البشر ، عن طريق لدغة البراغيث المصابة.

إضافة لأن الطاعون هو سبب بعض الأوبئة الأكثر تدميرا في التاريخ ، فقد كان المرض وراء

الموت الأسود

في القرن الرابع عشر ، عندما مات ما يصل إلى ثلث سكان أوروبا ، كما ظهرت أوبئة ضخمة في آسيا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ، وانتشرت في نهاية المطاف في جميع أنحاء العالم ، وتسببت في وفاة الملايين. [6]

أما اليوم فبفضل الإجراءات الصحية العامة الصارمة ، والمضادات الحيوية الحديثة ، لم يعد الطاعون يصيب أعدادًا كبيرة من الناس ، كما أنه لم يكن مميتًا لأولئك الذين أصابهم ، وبالرغم من ذلك ، فإنه لا يزال مستمراً في بعض أجزاء العالم ، حيث تؤوي أعداد كبيرة من القوارض البرية أو المنزلية البراغيث ، وتمررها أحيانًا إلى البشر.


طبيعة مرض الطاعون علميًا

الطاعون هو في المقام الأول مرض القوارض ، ويدخل البشر عن طريق الخطأ في الدورة المعتادة ،  هذه الدورة ، القوارض ، البراغيث ، القوارض ، كقاعدة عامة ، هي موجودة في مجتمع حيواني في جميع الأوقات ، ولكنها تؤثر فقط على أعداد صغيرة من الحيوانات.

ومع ذلك وفي ظل ظروف بيئية معينة ، تصل الدورة إلى أبعاد وبائية  ، فتؤثر على العديد من الحيوانات في منطقة ما في نفس الوقت ، وانتشار العدوى بين القوارض البرية أو المنزلية بالقرب من مساكن الإنسان ، يخلق ظروفًا مواتية لتفشي الطاعون البشري ، لأنه عندما يقتل تفشي وبائي من القوارض ، تفشل البراغيث من الحيوانات النافقة في العثور على مضيف آخر للقوارض ، وبالتالي تصيب البشر.

واليوم معظم الحالات البشرية متفرقة ، تحدث في المناطق الريفية عن طريق العدوى من القوارض البرية ، مثل السناجب الأرضية ، ولكن في الماضي أصيبت أعداد كبيرة من الأشخاص بالبراغيث من القوارض ، تشمل الأمثلة على القوارض التي تحمل الطاعون الفئران السوداء Rattus rattus ، والجربيل الكبير Rhombomys opimus.

وقوة مرض الطاعون تأتي في  قدرته على التكاثر في أنسجة مضيفه تتسبب في الوفاة ، وهي مستقرة وقوية بشكل ملحوظ ، فبمجرد أن يبتلعها برغوث ، تتكاثر حتى يتم سد الجهاز الهضمي للحشرة ، وعندما يعض البرغوث قارضًا آخر أو إنسانًا ، فإن العصيات تتقيأ في المضيف الجديد وتنتقل عبر الجهاز اللمفاوي إلى

العقد اللمفاوية

.

وهناك تقدر على إنتاج بروتينات تعطل الاستجابة الالتهابية الطبيعية ، وتمنع هضمها عن طريق البلعمات المقاومة للعدوى ، مع ضعف الاستجابة المناعية للمضيف ، تقوم باستعمار الغدد اللمفاوية بسرعة ، مما يؤدي إلى تورم مؤلم ، وفي النهاية ، تدمير الأنسجة ، وفي بعض الأحيان يدخل مجرى الدم إما مباشرة ، أو من الغدد اللمفاوية ، مما يؤدي إلى تسمم الدم ، وفي فحص ما بعد الوفاة ، توجد بكثرة في العقد اللمفية ، والطحال ونخاع العظام ، والكبد.


أشكال وباء الطاعون

وللمرض لدى البشر ثلاثة أشكال سريرية هم : الطاعون الدبلي ، الطاعون الرئوي ، وطاعون التسمم الدموي.



الطاعون الدبلي


هو الشكل الأكثر شهرة في العلم الشعبي ، وهو في الواقع يشكل حوالي ثلاثة أرباع حالات الطاعون ، وهو أيضًا أقل أشكال الطاعون خطورة ، وهو ما يمثل اليوم عدم وجود وفيات تقريبًا ، وفي الماضي قتل نصف ضحاياه ، في الوقت الذي أدى فيه التعاقد مع أشكال أخرى من الطاعون ، إلى وفاة مؤكدة تقريبًا.

وعادة  يبدأ الطاعون الدبلي بعد يومين إلى ستة أيام من الإصابة باليرسينيا مع الارتعاش ، ثم القيء ، والصداع ، والدوخة ، وعدم تحمل الضوء ؛ ألم في الظهر والأطراف ، إضافة للأرق أو اللامبالاة أو الهذيان ، ولكن العلامة الأكثر تميزًا هي الظهور اللاحق لواحد أو أكثر ، من العقد اللمفاوية المنتفخة ، والتي يتم توزيعها عادة في منطقة الفخذ والإبطين ، وترتفع درجة الحرارة بسرعة إلى 40 درجة مئوية ، أو أعلى وتهبط كثيرًا بشكل طفيف في اليوم الثاني أو الثالث ، مع إرهاق ملحوظ.

والطاعون الدبلي ليس معديا بشكل مباشر من شخص لآخر ،  يتم حمل المرض من القوارض إلى شخص أو من شخص لآخر عن طريق البراغيث المصابة.


الطاعون الرئوي

في الطاعون الرئوي ، يتم غزو الرئتين بكثافة من المرض ، والعلامات الجسدية هي علامات الالتهاب الرئوي الحاد (الحمى والضعف وضيق التنفس) ، تتبعه ملء السائل في الرئتين ، ومن شبه المؤكد أن تحدث الوفاة في غضون ثلاثة أو أربعة أيام ، إذا لم يتم تقديم العلاج.

والمظاهر الأخرى هي الأرق ، الذهول ، اضطراب الكلام ، وفقدان الذاكرة ، ويعد الطاعون الرئوي معديًا للغاية ، حيث يمكن أن تنتقل المرض إلى أشخاص آخرين ، في قطرات تطردها السعال أو العطس ، و يمكن أن يتطور المرض أيضًا كمضاعفات للطاعون الدبلي.


طاعون مجرى الدم

في الطاعون الإنتاني In septicemic plague ، تغزو اليرسينيا مجرى الدم لدرجة أنه في الحالات غير المعالجة ، يمكن أن يحدث الموت حتى قبل أن يكون لدى الأشكال الدبقية أو الرئوية الوقت للظهور ، ويتميز بأعراض الإرهاق والحمى و

النزيف الداخلي

.

كما يمكن أن ينشأ الطاعون الإنتاني كمضاعفات للطاعون الدبلي ، أو مباشرة عن طريق العدوى من لدغة البراغيث.


كيفية تشخيص الطاعون وعلاجه

يتم تشخيص الطاعون أولاً من خلال أعراضه ، وتاريخ التعرض المحتمل للقوارض ، نظرًا لأن الأعراض قد تكون مشابهة لتلك التي تظهر في الحمى الأخرى ، مثل التولاريميا ، أو

حمى الضنك

، أو الالتهاب الرئوي ، فيجب أن ينتظر التشخيص الإيجابي تحديد هوية اليرسينيا ، في الاختبار المعملي لدم المريض ، أو اللمف أو البلغم.

كما يجب إعطاء العلاج بالمضادات الحيوية على الفور لحماية حياة المريض ، والعلاج في المقام الأول مع الستربتوميسين أو الجنتاميسين ، إذا لم يكن متاحًا ، لقد قلل العلاج الحديث من معدل الوفاة العالمي للطاعون من مستواه التاريخي البالغ 50-90%، إلى أقل من 15% ، ومعدل الوفيات أقل حتى في حالات الطاعون الدبلي ، وفي المناطق التي تتوفر فيها الرعاية الصحية الحديثة.

وقد أدت التدابير الصحية والتخلص من الفئران من مساكن الإنسان ، إلى إنهاء وباء الطاعون الحضري في العالم المتقدم ، نظرًا لأنه من المستحيل القضاء على القوارض من البرية ، فإن المرض سيكون دائمًا موجودًا ، ولكن حدوثه في البشر يمكن السيطرة عليه ، عن طريق الحد من تعرض الناس للحيوانات المصابة ، وتم استخدام لقاح خاص بالطاعون في الماضي ، في المناطق الموبوءة للأشخاص الذين من المحتمل أن يتعرضوا للقوارض والبراغيث الخاصة بهم.