من هي سحابة الرحمانية
تعتبر فترة حكم السلطان السعدي أحمد منصور الذهبي أهم المحطات في تاريخ المغرب، وأزهى نهضة حضارية عسكرية واقتصادية وعمرانية، لكن قبل فترة حكمه كان الصراع كبيرا على ولاية العهد، وهناك بعض المؤرخين الذين يؤكدون أن سحابة الرحمانية لها فضل كبير في الحفاظ على الحكم، وهي من قادت المعارضة مع إبنها الأمير عبد الملك السعدي وساعدته في الجلوس على العرش بفضل ذكائها وحكمتها، ثم تولى إبنها الثاني أحمد منصور الذهبي الحكم بعد وفاة شقيقه، وتلقى الدعم الكبير من سحابة حتى ازدهرت الدولة على يديه، وهذا ما سنعرفه من خلال هذا المقال.
نبذة عن سحابة الرحمانية
لقبها البعض بالأميرة العالمة، بينما البعض اختار لها اسم السيدة الصالحة، عرفت بقلبها الرحيم و حرصها على الذكر وقيام الليل، هي ابنة الشيخ الأجل أبي العباس أحمد بن عبد الله الوزكيتي، أمير قصبة تاوريرت الذي دعم بشكل كبير نشأة الدولة السعدية بسوس ودرعة، يقول بعض المؤرخين أن إسمها هو مسعودة، و لم يذكر التاريخ أي تفاصيل بخصوص تاريخ ميلادها و طفولتها.
ستلعب هذه المرأة من قبيلة الرحامنة دورا سياسيا بالغ الأهمية في فترة حساسة من تاريخ المغرب، تزوجها السلطان السعدي محمد الشيخ سنة1548، و ولدت أبا العباس أحمد الذي لقب فيما بعد بالمنصور الذهبي، حكم المغرب ما بين 996 هجرية و1012 هجرية.
بعد أن اغتال العثمانيون محمد الشيخ، سنة 1557، وقع صراع كبير على الحكم بين أبنائه، انتهى بتولي عبد الله الغالب بالله، زمام الحكم وكانت التقاليد حينها تنص على تسلم الأخ الأكبر الحكم، وكان عبد الملك هو المرشح الأول للجلوس على العرش، لكن محمد الملقب بالمتوكل استولى على الحكم حينذاك، فقررت سحابة بعد ذلك اللجوء إلى العثمانيين لتطلب منهم يد العون لاسترجاع حق أبنائها الأمراء عبد الملك وأحمد في الحكم، و لولا هذه السيدة العظيمة، تقول كتب التاريخ، لسارت الأمور في منحى آخر.
دور سحابة في تأسيس الدولة السعدية
لم تحكم سحابة الرحمانية نهائيا، ولكن كان لها دور كبير للغاية في استرجاع الحكم لابنها عبد الملك الأول، الذي قاد معركة وادي المخازن الشهيرة وتوفي بعد سنتين فقط من توليه الحكم، وخلفه احمد المنصور الذهبي ابن سحابة الثاني، الذي يعتبر أهم الملوك في التاريخ.
كيف اقنعت سحابة السلطان العثماني بمساعدة ابنها
بعد وفاة زوجها، ذهبت سحابة مع ابنها إلى تركيا، من أجل الحصول على دعم الأتراك، وطلبت مساعدة السلطان العثماني مراد الثالث لكي يصل ابنها إلى حكم المغرب، ويزيح مغتصب العرش، فرفض في البداية، لكن خبرتها و درايتها بالسياسة التي اكتسبتها بعد العيش في قصور السعديين لسنوات جعلتها تنجح في إقناعه.
طلبت سحابة من السلطان العثماني الشفاعة في رأس زوجها محمد الشيخ المعلق بالقلعة بعد ذبحه من الأتراك فسلمه إليها، وطلبت مساعدة مراد الثاني في استرجاع الحكم لابنها عبد الملك، فاتفق معها مراد الثالث على أن يساعدها لكن بعدة شروط، كان أهمها مشاركة المغاربة مع الأتراك في حملتهم العسكرية ضد الإسبان في تونس، وانتدب عبد الملك لمرافقة الحملة.
كان مراد الثالث يترقب وصول أخبار عن الحملة بفارغ الصبر حينها، و كان الأتراك قد جهزوا ثلاث مراكب بحرية لإبلاغه بخبر الانتصار، و لما فتحت تونس طلب عبد الملك من مساعديه أن يذهبوا ليلا برسالته إلى أمه سحابة يبلغونها بخبر الفتح وطلب منهم أن يسبقوا المراكب الثلاثة لكي تكون هي أول من يبلغ السلطان العثماني بالخبر السعيد، و تلقت أمه الرسالة بالفعل وذهبت إلى السلطان مسرعة، و بشرته بالفتح قبل أي شخص أخر، والتمست منه أن يعطيها مكافئتها و يساعدها لكي يستعيد ابنها عبد الملك الحكم، فوافق السلطان مراد على الفور.
كيف حدثت معركة وادي المخازن
بعد موافقة السلطان مراد الثالث، أصدر أمره الذي حملته سحابة إلى والي الجزائر ليساعد ابنها عبدالملك على استعادة ملكه، بالإضافة إلى جيش العثمانيين الذي رافقه، ثم دخل عبد الملك إلى فاس بعد معركة الركن، وفر مغتصب الحكم المتوكل يطلب نجدة ملك البرتغال، بعد ذلك تمت بيعة عبد الملك في سنة 1576م، بمدينة مراكش و قام عبد الملك بتعزيز العلاقات مع الخارج، وكانت لديه علاقة وطيدة مع ملكة الانجليز إليزابيث، و هذا لكرهه الشديد للبرتغال والإسبان.
تطور الأمر من نزاع على السلطة بين محمد المتوكل والسلطان عبد الملك، إلى حرب مع البرتغال بقيادة الملك سبستيان، حيث ظل المتوكل مع زوجته بياتريس يحاولان استرجاع الحكم بأي طريقة ممكنة وكان ذلك بمساعدة أهل سوس أولا، ثم ملك البرتغال سباستيان الذي حاول القيام بحملة صليبية للسيطرة على جميع شواطئ المغرب، و جرت بعد ذلك معركة كبيرة في وادي المخازن بالقصر الكبير، قتل فيها الملك سباستيان، وغرق المتوكل بعد أن حاول الهرب شمالا و وجدت جثته طافية فوق سطح الماء و تم التنكيل به في كافة أنحاء المغرب انتقاما مما فعله، واستشهد عبد الملك السعدي عند انتهاء المعركة بسبب الجهد الكبير الذي بذله في قيادة الجيش وتحميس الجند رغم مرضه الشديد، ودامت الحرب حوالي أربع ساعات وعشرين دقيقة، و سميت بمعركة الملوك الثلاثة وفقدت الإمبراطورية البرتغالية في هذه المعركة سيادتها وملكها وجيشها والعديد من رجال الدولة.
كان لسحابة الرحمانية الفضل في استمرار سلطان المغرب وحمايته، عن طريق تحفيز ابنها عبد الملك ودعمه لكي ينتصر على أقوى الإمبراطوريات آنذاك متمثلة في إسبانيا والبرتغال، ولولا ما حققه في معركة وادي المخازن العظيمة بفضل مساعدتها و مشورتها السديدة لكان التاريخ مختلفا تماما، ولأصبح المغرب في خانة المستعمرات البرتغالية دون شك.
متى اسست سحابة باب دكالة بمراكش
كانت سحابة الرحمانية تهتم كثيرا بالقضايا الاجتماعية خاصة في عهد ابنها أحمد منصور الذهبي، الذي حكم المغرب ما بين 896 ھ و1012 ھ، فأنشأت المساجد والقناطر و الجسور، وشاركت في كل نشاط خيري بشكل فعال، ” فكم جهزت من يتامى، وكم زوجت من أيامى، وكم بذلت من صدقات، وكم أجزلت من صلات..”، يقول العباس بن إبراهيم.
قامت سحابة بتأسيس مسجد باب دكالة بمراكش سنة 965 ھجرية، وجهزته بخزانة كبيرة للكتب، كما خصصت له أحباسا للكراسي العلمية، و قدمت الدعم للطلبة الغرباء، ويزعم بعض العامة المغاربة أنها قد بنت هذا المسجد كفارة لما انتهكته في حرمة رمضان، حيث أنها دخلت احد البساتين الكبيرة في قصورها و هي في حالة وحم، فتناولت الخوخ و الرمان في شهر رمضان المبارك ثم ندمت على ما فعلته ندما شديدا، وللتكفير عن خطيئتها قامت ببناء الجامع و قامت بالعديد من الأعمال الخيرية.
وفاة سحابة الرحمانية
توفيت سحابة الرحمانية يوم الثلاثاء السابع والعشرين من شهر محرم سنة ألف ميلادية، و يرقد جثمان سحابة الرحمانية في قبور السعديين بحي القصبة في مدينة مراكش، في ضريح سلطاني يضم مجموعة من أبرز شخصيات الدولة السعدية ، من قبر محمد الشيخ مؤسس الدولة، إلى بقية أفراد العائلة، وما زالت الآثار الموجودة في المدينة شاهدة على عطائها و أعمالها الخيرية الوافرة.