النهضة الإيطالية

بحلول نهاية القرن الرابع عشر الميلادي ، أعلنت مجموعة من المفكرين الإيطاليين ، أنهم يرغبون في خوض عصر جديد ، وأن  العصور الوسطى قد انتهت بهمجيتها غير المستنيرة إلى الأبد ، وأن العصر الجديد سيكون بمثابة ولادة جديدة ، من أجل تعلم العلوم والأدب والفن والثقافة ، وتلك الولادة عرفت فيما بعد باسم ؛ عصر النهضة الإيطالية.

وعلى مدار عدد من القرون ، اتفق العلماء على أن عصر النهضة الإيطالية ، كان قد انطلق على مراحل متوالية ، في الفترة ما بين القرن الرابع عشر والقرن السابع عشر ، حيث حلت طريقة جديدة وحديثة للتفكير بشأن العالم ومكانة الإنسان فيه ، وفي الواقع كان عصر النهضة في إيطاليا وفي أجزاء ومناطق أخرى من أوروبا ، أكثر تعقيدًا بكثير من ذلك من الناحية العملية على أرض الواقع ، فلم تكن تلك الفترة من عصر النهضة ، تختلف كثيرًا عما سبقها من عصور ، إلا أن العديد من الإنجازات العلمية والفنية والثقافية ، التي حدثت في هذه الفترة جعلت من عصر النهضة مشاركًا في مواضيع مهمة آنذاك ، أبرزها الاعتقاد الإنساني بأن الإنسان كان مركز كونه.[1]


سياق ومراحل النهضة الإيطالية

تم تقسيم إيطاليا في القرن الخامس عشر ، على عكس أي مكان آخر في أوروبا ، حيث تحولت إلى دول مدنية مستقلة ، ولكن لكل منها شكل مختلف ومنفرد من الحكم ؛ ففلورنس حيث بدأت النهضة الإيطالية ، كانت جمهورية مستقلة بذاتها ، وكانت كذلك عاصمة مصرفية وتجارية ، بعد لندن والقسطنطينية ثالث أكبر مدن في أوروبا ، وكان الأثرياء من فلورنسا يتباهون في هذا القوت ، بأموالهم وقوتهم بأن يصبحوا رعاة أو مؤيدين للفنانين والمثقفين ، كل هذا حوّل المدينة إلى مركز ثقافي كبير داخل أوروبا خلال عصر النهضة.[2]


الإنسانية الجديدة حجر الزاوية في عصر النهضة

بفضل رعاية النخب الثرية في فلورنس ، تمكّن العديد من الكتاب والمفكرون في عصر النهضة ، من نشر أعمالهم الفنية وترويجها بشكل راق ، بدلاً من تكريس أنفسهم لوظائف عادية أو لمجرد الحصول على دخل مادي فقط ، وأصبح بإمكانهم الاستمتاع بالملذات الدنيوية ، فسافروا في جميع أنحاء إيطاليا ، ودرسوا الآثار القديمة وأعادوا اكتشاف النصوص اليونانية والرومانية ، التي طرحها علماء عصر النهضة والفلاسفة ، وبالفعل كانت هذه المصادر الكلاسيكية من اليونان القديمة وروما القديمة تتمتع بحكمة عظيمة ، ويمثل تقديرهم للجمال الجسدي وخاصة إنجازات الإنسان ، حجر الزاوية في المبدأ الفكري السائد في عصر النهضة الإيطالية ، والتي عرفت فيما بعد باسم الإنسانية.[3]


النهضة بالعلوم والتكنولوجيا في إيطاليا

شجعت الإنسانية الناس أن يتحولوا إلى فضوليين ، وأن يطرحوا الأسئلة بشأن الحكمة التي تلقتها الكنيسة في العصور الوسطى ، كما شجعت الناس على استخدام التجارب والملاحظة لحل المشكلات ، وهذا بدوره دفع العديد من مثقفي عصر النهضة ، للاجتهاد وبذل المحاولة في تحديد وفهم قوانين الطبيعة والعالم المادي ، على سبيل المثال ؛ ابتكر فنان عصر النهضة ليوناردو دافنشي ، دراسات علمية مفصلة عن أشياء مختلفة بداية من آلات الطيران إلى الغواصات ، وأسس دراسات رائدة في علم التشريح البشري .

وبالمثل بحث عالم الرياضيات جاليليو جاليلي في القوانين الطبيعية واحدًا تلو الآخر ؛ وذلك من خلال إسقاط كرات مدفعية مختلفة الحجم من أعلى المبنى ، أثبت بعد ذلك من خلالها ، أن جميع الكائنات تسقط بنفس معدل التسارع ، كما صنع تليسكوبًا قويًا ، واستخدمه لإثبات أن الأرض والكواكب الأخرى تدور حول الشمس وليس العكس ، كما حاولت السلطات الدينية  أن تثبت من قبل.[4]

ولهذا السبب تم إلقاؤء القبض على جاليليو ؛ بسبب تلك البدعة وتم تهديده بالتعذيب والموت ، لكنه رفض التراجع قائلًا أنه لا يعتقد بأن الله الذي وهب الحواس والعقل والذكاء ، قد قصد من البشر عدم استخدامها.

وعلى الرغم من كل تلك المحاولات والتطورات في إيطاليا ، لم يحدث التطور التكنولوجي الأكثر أهمية في عصر النهضة ، وينطلق من إيطاليا بل كانت انطلاقته من ألمانيا ، حيث اخترع يوهانس جوتنبرج المطبعة الميكانيكية ، وذلك في منتصف القرن الخامس عشر ، هذا الاختراع الذي مكّن الجميع من اقتناء الكتب والاحتفاظ بكل ما تم تقديمه من علوم ، على نطاق واسع.[5]


فن النهضة والهندسة المعمارية في إيطاليا


برزت الكثير من الأعمال الفنية خلال عصر النهضة ، وكان أشهرها ديفيد لمايكل أنجلو والعشاء الأخير لليوناردو دا فينشي ، وولادة فينوس اساندرو بوتيكيلي ، حيث انتشر الفن خلال عصر النهضة الإيطالية ، وكان للفن بصمة واضحة في كل مكان ، وكانت من أبرزت العائلات التي قامت برعاية الفن والفنانين ، عائلة فلورنسا ميديشي التي دعمت المشاريع الكبيرة والصغيرة.

ونجح فنانو ومهندسو عصر النهضة ، في تطبيق العديد من المبادئ الإنسانية على عملهم ، فعلى سبيل المثال ؛ طبق المهندس المعماري فيليبو برونليسكي ، بعض عناصر العمارة الرومانية الكلاسيكية شاملة الأشكال والأعمدة ، وأصبحت القبة الرائعة ذات الجوانب الثمانية التي بناها ماريا ديل فيوري ، داخل كاتدرائية سانتا في فلورنسا بمثابة انتصار هندسي ، حيث بلغ عرضها 144 قدمًا ووزنها 37000 طنًا .

وليس لديها دعامات لإمساكها بالإضافة إلى شكلها الجمالي البديع ، بينما ابتكر برونيلشي طريقة جديدة ، للرسم والطلاء باستخدام منظور خطي ، بمعنى أنه اكتشف كيفية الطلاء من منظور الشخص الذي ينظر إلى اللوحة ، بحيث تبدو المساحة منحسرة داخل الإطار ، وذلك بعد أن أوضح المهندس المعماري ليون باتيستا ألبيرتي ، المبادئ الكامنة خلف استخدام المنظور الخطي ، في أطروحته ديلا بيتورا وطبقها على الرسم ، فأصبح هذا المنظور ، أحد العناصر الأكثر شهرة في جميع لوحات عصر النهضة تقريبًا ، بعدها لجأ العديد من الرسامين ، في استخدام تقنية تسمى chiaroscuro لإنشاء وهم الفضاء ثلاثي الأبعاد على قماش مسطح.[6][7]

بعد ذلك ، قام الرسام الإيطالي والمهندس المعماري فاساري في فيلمه حياة الفنانين ، بتقديم أعمال فرا أنجيليكو رسام اللوحات الجدارية في الكنيسة ، ومهرجان سان ماركو في فلورنسا ، كما ابتكر رسامو عصر النهضة ، مثل رافاييل وتيتيان وجيوتو ونحاتون عصر النهضة أمثال دوناتيلو ولورنزو غيبرتي ، فنًا ألهم العديد من أجيال متتالية من الفنانين في المستقبل.[8]


نهاية عصر النهضة الإيطالية

بحلول نهاية القرن الخامس عشر ، كانت إيطاليا تمزقها حرب تلو الأخرى ؛ حيث حارب ملوك إنجلترا وفرنسا وإسبانيا ، إلى جانب البابا والإمبراطور الروماني المقدس ، من أجل السيطرة على شبه الجزيرة الثرية ، وفي الوقت نفسه بدأت الكنيسة الكاثوليكية ، التي كانت تشكو من الفضيحة والفساد ، في حملة عنيفة ضد المعارضين ، إلا أنه بحلول 1545 أسس مجلس ترينت رسميًا محاكم التفتيش الروماني ، وفي ظل هذا المناخ ، كانت الإنسانية أقرب إلى البدعة ، وبهذا انتهى عصر النهضة الإيطالية.[9]