أهم حاكمة في تاريخ المغرب

لعبت المرأة المغربية عبر العصور دورا في غاية الأهمية منذ عصر الدولة الإدريسية وحتى الدولة العلوية ، و كان لها دور كبير في الريادة وتسيير البلاد، لكن هل أنصف التاريخ والمؤرخين الدور الذي لعبته المرأة المغربية في تسيير شؤون البلاد و العباد؟

كثيرة هي الشخصيات التي ساهمت في صنع التاريخ وكان لها تأثير كبير في الحياة السياسية أو الاجتماعية أو العلمية، مما سمح لها من احتلال مكانة مرموقة في تاريخ المغرب، إلا أن التاريخ لم يذكر إلا قليلاً منهن فيما بقي تاريخ الأخريات مجهولا تماماً.

و من الشخصيات التي نقشت اسمها بأحرف من ذهب في مختلف المحطات التاريخية التي مرّ منها المغرب، السيدة الحرة.


السيدة الحرة حاكمة مدينة تطوان

طفولة أخر حاكمة في المغرب مليئة بالألغاز و

الغموض

، حيث ليس هناك معلومات مؤكدة تعرفنا عن هذه المرحلة في حياتها لكن يقال أنها كانت طفولة مليئة بالتوترات التي انعكست على شخصيتها بشكل واضح، حيث اضطرت هي وأقرباؤها إلى مواجهة الحروب العنيفة في الأندلس التي فقد الكثير من المسلمين حياتهم وأيضًا احتلال الأيبيريين بالقرب من عدة مدن ساحلية.[1]

و يقال أن السيدة الحرة ولدت بين عامي 1492 و1493 ميلادية، اسمها الحقيقي غير معروف حتى يومنا هذا، فبعض المؤرخين المغاربة يزعمون أنها كانت تسمى عائشة، تيمنا بعائشة الحرة والدة أخر ملوك غرناطة و أن  السيدة الحرة كان مجرد لقب آنذاك و يعني المرأة النبيلة، والسيدة ذات المكانة المرموقة، و هو لقب كانت تحمله الملكات و السيدات من الطبقة الارستقراطية في ذلك العصر وليس المرأة المتحررة من العبودية مثلما يعتقد الجميع.

برزت مكانتها عندما اضطر زوجها الأول القائد المنظري، حاكم مدينة تطوان المريض و الأكبر منها بسنوات إلى الانسحاب من الحكم من أجل الاعتناء بصحته، فوجدت نفسها متورطة في كل شؤون السياسة و أظهرت علو كعبها في كل المجالات حينها سواء سياسية أو اقتصادية.


نشأة الحرة و نسبها

هي إبنة الأمير مولاي علي بن موسى بن رشيد العلمي، أمير وحاكم مدينة شفشاون أثناء حكم الوطاسيين، وأمها اسبانية من منطقة قادش، اسمها زهرة فيرنانديز اعتنقت الإسلام.

نشأت السيدة الحرة في مملكة غرناطة ولكن في عام 1492، عندما غزا ملوك الأسبان فرديناند الكاثوليكي وإيزابيلا الكاثوليكية، مملكة غرناطة في فترة سقوط الأندلس، أجبروا عائلة السيدة الحرة على الهروب إلى المغرب و الاستقرار بشكل نهائي.

تعلمت السيدة الحرة من والدها الكثير و تأثرت بشخصيته القيادة حيث قام بتأسيس

مدينة شفشاون

سنة 1471، وهي مدينة كانت بمثابة حصن للقبائل المجاورة وكمركز للمقاومة ضد البرتغاليين الذين احتلوا المدن المجاورة مثل سبتة وطنجة و أصيلة والعرائش.

كانت تتميز بسرعة البديهة و سداد الرأي و الذكاء الخارق و الثقافة الكبيرة، وذلك راجع للتعليم الذي تلقته من طرف أشهر العلماء و الفقهاء آنذاك كما أن شخصيتها القوية للغاية ساعدتها في حكم مدينة تطوان ، وهذا ما جعلها أهم حاكمة تأثيراً في تاريخ المغرب رغم أنها عاشت في زمن كانت تعد فيه ولاية المرأة للحكم شيئاً غير مألوف.[2]


الزواج والحكم

وفي سنة 1510 ميلادية تزوجت من المنظري قائد مدينة تطوان وكانت حينها في السادسة عشر من عمرها ، وكان ذلك الزواج بمثابة تحالف قوي بين قيادة شفشاون وقيادة تطوان من أجل تقوية جبهة الدفاع ضد البرتغاليين الذين يحتلون شمال المغرب، وبزواجها اكتسبت تجربة كبيرة جعلتها تمسك بمقاليد الحكم، وكانت تتولى شؤون

مدينة تطوان

في غيابه وتنوب عنه في كل شيء.

بعد وفاة زوجها الأول المنظري تزوجت للمرة الثانية من الملك أبو العباس الوطاسي سنة 1541، و من الجدير بالذكر أنه قبل زواجها منه اشترطت عليه أن يترك فاس وينتقل إلى مدينة تطوان من أجل إتمام الزواج وكان هذا الوضع غريبا حينها، إذ لم يسبق لأي ملك أن تزوج خارج عاصمته، و بعد وفاة زوجها في عام 1515 ، خلفته كحاكمة لمدينة تطوان و أطلقوا عليها لقب الحرة و استمرت في الحكم لأكثر من ثلاثين عامًا.


لماذا سميت اميرة الجهاد البحري

كان لا يزال طردها من مملكة غرناطة سبباً رئيسيا يدفعها للانتقام ومن

أ

جل ذلك، أنشأت تحالفًا آخر لتوطيد إستراتيجيتها والحصول على المزيد من القوة والسلطة ، لكن هذه المرة مع القرصان العظيم بربروسا أو “ريّس خضر” أحد أشهر قادة الأساطيل العثمانية ، حيث نظمت معه حملات كبيرة معروفة للقراصنة في البحر الأبيض المتوسط وفي مضيق جبل طارق، كان يهدف أسطول السيدة الحرة إلى السيطرة على الغرب و كوسيلة للعمل ، اختار كلاهما القرصنة البحرية بهدف تجريد السفن من أحمالها من الذهب والكنوز الأخرى، و يتم أخذ أفراد طاقم السفن البرتغالية والإسبانية كأسرى لديهم، و كانت الملكة الحرة لا توافق على إطلاق سراحهم إلا بعد مفاوضات صعبة حيث مقابل كل سجين أسرته ، فرضت فدية وغنيمة على حساب حياتهم.

تمكنت السيدة الحرة برفقة أسطول مدربين ومؤهلين ، من وضع المعسكرات الإسبانية والبرتغالية في ورطة كبيرة، وسرعان ما أصبحت حملاتها مفيدة للغاية، لقد مكنتها القرصنة من تسديد ضربة قوية لأعدائها البرتغاليين والإسبان ولكن أيضًا كانت مصدر دخل ملموس ساهم في الحفاظ على البنية التحتية لمدينتها وتحسينها.

باسم الحرية ، حكمت السيدة وأبحرت وأخافت الجيوش المعارضة وجعلت فكرة أي غزو تبدو مستحيلة، عندما نقرأ مقالات المسيحيين في القرن الخامس عشر اليوم ، ندرك كم كانت تلك الحملات رادعة،  في الواقع، سرعان ما أصبح اسمها مخيفا ، وأي شخص في ذلك الوقت كان يعرف خطورة السيدة الحرة لذلك لا يقوم بالمغامرة  في السواحل المغربية أو حتى يفكر في ذلك.


أسباب عزل الحرة من الحكم و وفاتها

في الوقت الذي كان حكم الوطاسيين يواجه عدة مشاكل واضطرابات مع ظهور السعديين، كان أشخاص من عائلة المنظري الزوج الأول للسيدة الحرة يسعون إلى استعادة حكم تطوان بأي ثمن ، و في أواخر سنة 1542 توجه محمد الحسن المنظري إلى تطوان وأعلن نفسه حاكما على المدينة و تم الانقلاب على السيدة الحرة وطردها و نزع كل ممتلكاتها، و عاشت حاكمةُ مدينة تطوان و ملكة المغرب بعد تنحيتها عن الحكم في مدينة شفشاون الموجودة بشمال المغرب في منزل أبويها بالقرب من أخيها الأمير محمد، حيث عاشت ما يقرب من عشرين سنة إلى أن توفيت ودفنت برياض الزاوية الريسونية بنفس المدينة في 14 يوليو سنة1561، ولا يزال قبرها معروفاً و يحمل اسمها حتى يومنا هذا وتزور قبرها الكثير من النسوة المعجبات بشخصيتها و شجاعتها.

ما تزال المراجع الإسبانية والبرتغالية على وجه الخصوص تتذكر أمجاد هذه السيدة العظيمة وتتحدث عنها بمنتهى الإعجاب والتقدير ، إذ أن الأسبان كانت لهم علاقات متصلة مع السيدة الحرة خاصة مع حكام سبتة وقواد الأساطيل الأجنبية التي كانت تمخر البوغاز ، وما زالت تعتبر أكثر شخصية مؤثرة في

تاريخ المغرب

وأعظم قائدة نسائية على مر التاريخ.