استراتيجية تالف الاشتات
تهدف المؤسسات التعليمية في كافة البلدان إلى تنمية مهارات التفكير والمواهب الإبداعية لدى الطلبة والطالبات ، وفي هذا الإطار ؛ تم استحداث عدد كبير للغاية من الأساليب والنظريات التعليمية الحديثة في ضوء ما تقتضيه العصور الحديثة من تنمية فكرية ومهارية للأجيال ؛ حتى يكونوا ذو علم وخبرة في مواجهة كافة تحديات الحياة الشخصية والاجتماعية والدولية أيضًا ، وتُعد الاستراتيجيات التعليمية الحديثة هي أفضل وأهم الوسائل التي يُمكن من خلالها تنمية مهارات وقدرات الطلبة والطالبات ومن أبرزها استراتيجية تالف الأشتات .
استراتيجيات التعليم الحديثة
لا يُمكن لأي شخص واعي أن يُنكر الدور الإيجابي الذي تلعبه الاستراتيجيات التعليمية والتربوية في تنمية الفكر الإبداعي والمهاري لدى الطلبة والطالبات في مختلف مراحل التعليم الأساسي ، حيث أن جميع الأساليب الحديثة ترنو بشكل أساسي إلى الحفاظ على الأجيال القادمة من الانحراف والانجراف مع تيار الجهل والضلال وتُساعدهم في أن يكون لكل منهم شخصية ومعتقدات وقرارات نابعة من ذاته وأخلاقه وكينونته الخاصة دون أن يتأثر بالأفكار المغلوطة والمشوهة التي يُنادي بها الكثير من الأشخاص اليوم .
ولا سيما أن عملية التواصل مع أي شخص على مستوى العالم باتت سهلة وتتم خلال لحظات معدودة عبر الشبكة العنكبوتية ومختلف وسائل الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها ، ولذلك ؛ كان لا بُد من تنمية الوعي الفكري والإدراكي لدى الطلبة والطالبات ؛ حتى يكونوا قادرين على مواجهات أي أفكار منحرفة ومتطرفة بعقل وحكمة .
نشأة استراتيجية تالف الاشتات
يعود أصل استراتيجية تالف الاشتات أو التي تُعرف باسم Synectis إلى أمريكا ، والتي قد شهدت درجة كبير من التطور والتعديل حتى تكون ملائمة لتطبيقها في الدور التعليمية المختلفة ، ويعود أصل فكرة هذه الاستراتيجية إلى أحد أساتذة جامعة كامبريدج وذلك عام 1944 ، وقد تم تطويرها بشكل كبير وأصبحت ذو ملامح واضحة تحديدًا في عام 1961م .
ونظرًا إلى أن الاستراتيجيات التربوية على وجه التحديد يجب أن تكون متقنة ومجربة وذو فاعلية أكيدة ؛ فقد تم تطويرها بواسطة عدد كبير من الهيئات والمؤسسات الأمريكية ، وتم تطبيقها في تجربة بحثية بالفعل على 6 أفراد كل منهم يدرس تخصص منفصل وقد شمل ذلك : ( تخصص الكيمياء ، تخصص الفيزياء ، تخصص التسويق ، تخصص علوم الأرض ، تخصص علوم الحياة ، تخصص الميكانيكا ) .
تعريف استراتيجية تالف الأشتات
تم تعريف استراتيجية تالف الأشتات بواسطة بعض العلماء والباحثين على أنها عبارة عن ربط بين مجموعة من الأشياء والعناصر ظاهريًا لا يوجد بينهم علاقة مشتركة ، بالاعتماد على المنطق والبيان والتناظر من أجل الوصول إلى حلول مختلفة غير تقليدية وإبداعية لبعض المشكلات .
وقد عرفها البعض الاخر أيضًا على أنها عبارة عن نشاط يقوم به المتعلم أو المتدرب يتم من خلاله القيام بمجموعة من الخطوات بهدف إحداث ربط مجموعة من العناصر لا يوجد بها تشابه ظاهري من خلال استخدام بعض علوم البلاغة مثل التشبيه والاستعارة وغيرهم ؛ ومن ثم الوصول إلى توصيفات مختلفة جدًا وإبداعية ومميزة ، ودائمًا ما تعتمد الاستراتيجية على التخيل وتنتهي بالتشبيهات المباشرة بين العناصر التي كانت قبل تطبيق الاستراتيجية لا يوجد أي مظاهر من الربط بينها .
مفهوم استراتيجية تالف الاشتات
تتكون هذه الاستراتيجية من كلمتين أساسيتين هما :
- التالف : وهي تعني وجود بعض الأوجه المتشابهة بين العناصر .
- الأشتات : أما الأشتات ؛ فهي تعني وجود فروق كبيرة وواضحة بين العناصر وبعضها البعض .
وفي ضوء استراتيجية تالف الاشتات ؛ فإن مصطلحي التالف والأشتات تُعني هنا الجمع بين مجموعة من العناصر التي تبدو في ظاهرة مختلفة تمامًا ولا يوجد بينها أي ارتباط ؛ ثم الاجتهاد من أجل إيجاد بعض الأوجه التي تربط بين تلك العناصر وبعضها البعض ولا يشترط ذلك أن يكون هناك وجه تشابه واقعي وإنما يمكن الربط بينهم عبر التخيلات المختلفة وتشبيه الأشياء ببعضها البعض .
فروض استراتيجية تالف الأشتات
هناك مجموعة من الفروض التي تنطوي عليها نظرية تالف الأشتات ، مثل :
-من الممكن أن يتم رفع كفاءة الطلبة والطالبات والمتدربين والمتعلمين بوجه عام من خلال التركيز على الجانب النفسي والعاطفي الذي يُعتبر مصدر الإلهام لكل شخص مُبدع .
-كما تؤكد تلك الاستراتيجية على أن الجانب الانفعالي والنفسي في عملية الإبداع أهم كثيرًا من الجانب العقلي والفكري ، في حين أن اللا معقول في عالم الإبداع هو أيضًا الأهم من المعقول ، ودعونا نؤكد هنا على أنه إذا كان كبار المبدعين والمفكرين اعتمدوا على ما هو معقول ومقبول للعقل فقط ؛ لما كنا قد توصلنا إلى عدد كبير من الاكتشافات العلمية الهامة والحديثة ولا سيما الشبكة العنكبوتية والحاسوب وغيرهم .
-يجب تنمية الجانب الانفعالي والنفسي لدى كل طالب وطالبة ومتعلم ومتدرب ؛ لأن هذا الجانب على وجه التحديد يُساعد كل منهم على أن يخلق عالمه الفكري الخاص المليء بالأفكار الإبداعية وأن يُطلق العنان لخياله ؛ مما قد يقودنا في أحد الأيام إلى أحد أهم الابتكارات والاكتشافات غير المسبوقة .
-وترى الاستراتيجية أيضًا أن العملية الإبداعية ليس أمر من اللا وعي ، وإنما الإنسان عندما يجول بخاطره في عالم التفكير والإبداع لن يكون شخصًا حالمًا فحسب ؛ وإنما سوف يكون قادرًا على أن يحول تلك الخيالات والخواطر إلى حقائق واقعية ملموسة إذا توانت له الفرصة وتوفرت البيئة الملائمة للتعبير عن هذا الإبداع .
-العملية الإبداعية أيضًا ليست مقصورة على مجموعة بعينهم من الأفراد ؛ أي أننا لا يُمكن أن نطبق تلك الاستراتيجية على الطلاب المتقدمين في تحصيلهم الدراسي فقط ، وإنما قد يملك أي شخص أفكار إبداعية خاصة لا يُمكن لغيره أن يصل إليها ؛ حيث أن الأمر هنا يعتمد على الفروق الفردية ، وبالتالي ؛ يجب إتاحة الفرصة لكل شخص لأن يفكر ويُبدع دون قيود أو تمييز .
-وفي ضوء نظرية التالف والأشتات أيضًا ؛ ترى النظرية أن عملية التفكير الإبداعي الفردي لا تختلف عن عملية التفكير الإبداعي الجماعي ، وقد برهن على ذلك أن العديد من فرق العمل البحثية ولا سيما في مجال العلوم والكيمياء والصيدلة والطب يُمكنها أن تصل معًا إلى إبداعات فكرية أكثر من رائعة وهذا ما قد ساعد على اكتشاف المزيد من الأدوية والخطط العلاجية الحديثة والاختبارات الطبية وغيرها .
-وترى الاستراتيجية كذلك أنه لا يُمكن الحجر على مجال الإبداع الفكري لدى الطالب أو المتدرب ؛ بمعنى أننا لا يجب أن نفرض على المتخصص في دراسة الطب أن يكون إبداعه في حدود مجال تخصصه فقط وأن لا يطلق العنان لأفكاره مثلًا في علم الأدب والتأليف ، وهكذا .
مثال على تطبيق نظرية تالف الاشتات
وإليكم مثال تخيلي يُساعد على تقريب فكرة استراتيجية تالف الاشتات إلى الأذهان :
-يقوم المعلم بوضع مجموعة من العناصر والتي قد تكون 6 عناصر أو أكثر أو أقل مثل : ( مجسم هرم صغير ، قطعة من جبن المثلثات ، قطعة حجرية صغيرة ، رمال ، حقيبة ) .
-ثم يطلب من الطلاب أن يقوموا بالربط بين هذه العناصر قدر الإمكان ، ومن أمثلة ذلك :
- الجبن شبه الهرم ؛ فكلاهما يأتي على شكل مثلث مجسم .
- القطعة الحجرية والهرم جميعهم مصنوعين من نفس المادة .
- الحجر والهرم يُمكن تفتيتهم إلى قطع صغيرة لتكون ذو ذرات صغيرة كالرمال .
- الحقيبة لها علاقة بكل هذه العناصر ؛ حيث يُمكن حمل جميع هذه العناصر داخلها .
وهكذا ؛ يُمكن للمعلم أن يقوم بالابتكار في وضع بعض العناصر ليقوم التلاميذ بالربط بينها ، ويجب أن يبدأ بالعناصر السهلة ثم يتطرق إلى العناصر التي تحتاج إلى درجة أكبر من التفكير والتخيل للربط بينها ؛ ولا سيما أن ذلك يُساعد على تنمية الفكر الإبداعي للطالب بشكل متزن وتدريجي .