تعريف شعر النقائض
يعد شعر النقائض من أهم أنواع الشعر، وواحد من أشهر فنون
الأدب
، والذي بدأ منذ العصر الجاهلي وتطور وأصبح فناً أدبياً قائماً بذاته في الكثير من العصور واشتهر هذا النوع من الشعر على يد ثلاثة من
أشهر الشعراء الأمويين
وهم جرير والفرزدق والأخطل، وتعد نقائض الفرزدق وجرير من أكثر
شعر النقائض
شهرة وعمق في هذا المجال من الأدب وفي تاريخ الأدب العربي في كل العصور.
خصائص شعر النقائض
هناك العديد من الخصائص الخاصة بشعر النقائض، وهي:
الطول
حيث أن شعر النقيضة لابد أن تكون القصيدة فيه طويلة وذلك لأن الشاعر يخوض في العديد من الأمور مثل العصبية القبلية مثلاً، ثم يبدأ الشاعر في مدح الأمراء أو الخلفاء أو الولاة أو الملوك بأبيات شعرية طويلة، حيث يكون هذا مديحاً وسياسة بدون هجاء أو فخر، ومن الممكن تحتوي أبيات شعر النقائض على بكائيات للأطلال مع الوصف الدقيق للرحلات الخاصة بالشاعر التي يمر بها، ونقيضة جرير تعد واحدة من أطول شعر النقائض، حيث أنها تجاوزت خمسين بيت شعري.
التأثر بالدين الإسلامي الحنيف
استعان الشعراء بالعديد من المعاني والمصطلحات الإسلامية في نظم وتكوين أبياتهم الشعرية سواء في الفخر أو حتى في الهجاء، فقد ترعرع هذا النوع من الشعر في كنف
الحضارة الإسلامية
.
الفحش في الهجاء
على الرغم من أن هذا النوع من الشعر قد ترعرع في وقت الدولة الإسلامية، إلا أنه كان هناك فُحش في الهجاء من الشعراء، على الرغم من تأثر شعر النقائض بالإسلام، ولكن بعض الشعراء قد استباحوا استخدام بعض المصطلحات المحرمة في الدين الإسلامي بشكل صريح بدون تلميح حتى، وقد بلغ الأمر ببعض الشعراء إلى درجة من الاشمئزاز والإنكار لبعض تعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
السخرية وتعمدها
لجأ الشعراء إلى استخدام أسلوب السخرية من الآخرين بالإضافة إلى إشاعة الخصام، وهذا يتمثل في نقيضة جرير عندما سخر من الفرزدق وقال فيه (وإنك لو تعطي الفرزدق درهمًا * * * على دين نصرانية لتنصّرا)
الإتيانِ بالصور التشبيهية وتوليد المعاني
كان شعراء النقائض ذو خيال خصب وواسع، حيث أنهم يستوحون الصور ويجسدونها في الكثير من الأبيات الشعرية في قصائدهم، حتى يعبروا عن المعنى الذي يقصدوه ووصف الأحداث.
الاستعانة بأساليب الموازنة والمقارنة
هذا الأمر يعد من أبرز الخصائص التي تميز شعر النقائض، وكان سمة من سمات
الدولة الأموية
، وقد استعان بهذا الأسلوب في شعر النقائض كلاً من الأخطل وجرير والفرزدق على وجه الخصوص.
أشهر شعراء النقائض
لقد بدأ شعر النقائض كفن تفاعلي مشترك، وهذا على عكس تعريف شعر النقائض في الوهلة الأولي، حيث أن هذا الشعر يحتاج إلي شاعرين منسجمين في الثقافة والبيئة والمجتمع، ليتحقق بينهم تنافس شعري، يجعل من نقائضها لغة من التواصل تعبر عن فكرين مختلفين ومنهجين مختلفين، وهذا ما يتميز به شعراء النقائض الأمويين الثلاث التاليين:
جرير
هو جرير بن عطية الخطفي، وقد كان شاعر هجاء معروف، وكان هجائه يحتوي على الكثير من الفُحش، إلا أنه كان عفيفاً في غزله ولا يشرب الخمر ولا يعهر.
الفرزدق
وهو همّام بن غالب بن صعصعة، كان سبب تسميته بالفرزدق هو ضخامة وجهه وجهامته، وقد عاش في بيت مهتم بالعلم والمعرفة والشعر، حرص والده على أن يعلمه الشعر، وبالفعل نشأ شاعراً كبيراً.
أمثلة على شعر النقائض
قصيدة بين الفرزدق وجرير والأخطل وأحد الأعراب
فأنشأ الاعرابي يقول:
فحيا الإله أبا حرزة * وأرغم أنفك يا أخطل
وجد الفرزدق أتعس به * ورق خياشيمه الجندل
فأنشأ الفرزدق يقول:
يا أرغم الله أنفا أنت حامله * يا ذا الخنا ومقال الزور والخطل
ما أنت بالحكم الترضى حكومته * ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
ثم أنشأ الأخطل يقول:
يا شر من حملت ساق على قدم * ما مثل قولك في الأقوام يحتمل
إن الحكومة ليست في أبيك ولا * في معشر أنت منهم انهم سفل
فقام جرير مغضبا وقال:
أتشتمان سفاها خيركم حسبا * ففيكما – وإلهي – الزور والخطل
شتمتاه على رفعي ووضعكما * لا زلتما في سفال أيها السفل
يقول جرير بن عطية:
لَقَدْ هَتَفَ اليَوْمَ الحَمامُ ليُطرِبَا وعنيَّ طلابَ الغانيات وشيبا
وَأجْمَعْنَ منكَ النَّفْرَ مِن غيرِ رِيبَةٍ كما ذعرَ الرامي بفيحانَ ربربا
عَجِبتُ لما يَفري الهوَى يومْ مَنعِجٍ ويومًا بأعلى عاقل كانَ أعجبا
وأحببتُ أهلَ الغور منْ حب ذي فنًا وأحببتُ سلمانينَ منْ حبَّ زينبا
ومما جاء من قصائد الشاعر جرير أيضاً:
أتطربُ حين لاحَ بكَ المشيبُ وذَلكَ إنْ عَجبتَ هوىً عَجيبُ
نأى الحيُّ الذينَ يهيجُ منهمْ على ما كانَ منْ فزعٍ ركوبُ
تَبَاعَدُ مِنْ جَوارِي أُمّ قَيْسٍ ولوْ قدمتُ ظلَّ لها نجيبُ
وَأيَّ فَتًى عَلِمْتِ إذا حَلَلْتُمْ بأجرازٍ معلِّلُها جديبُ
وجاء في قصائد الشاعر جرير بن عطية أيضاً:
أَلا حَيِّ المَنازِلَ وَالخِياما وَسَكنًا طالَ فيها ما أَقاما
أُحَيِّيها وَما بِيَ غَيرَ أَنّي أُريدُ لِأُحدِثَ العَهدَ القُداما
مَنازِلَ قَد خَلَت مِن ساكِنيها عَفَت إِلّا الدَعائِمَ وَالثُماما
مَحَتها الريحُ وَالأَمطارُ حَتّى حَسِبتَ رُسومَها في الأَرضِ شاما
قصيدة دعا دعوة الحبلى زباب
قصائد للفرزدق
تعتبر هذه القصيدة من أشهر قصائد الهجاء التي قالها شاعر الفرزدق في العصر الإسلامي:
دَعَا دَعْوَةَ الحُبْلى زَبابُ، وَقد رَأى
بَني قَطَنٍ هَزّوا القَنَا، فَتَزَعْزَعا
كَأنّهُمُ اقْتادُوا بِهِ مِنْ بُيُوتهِمْ
خَرُوفاً مِنَ الشّاءِ الحجازِيِّ أبْقَعا
فَلَوْ أنّ لَوْماً كانَ مُنْجيَ أهْلِهِ
لَنَجّى زَبَاباً لَوْمُهُ أنْ يُقَطَّعا
إذاً لَكَفْتْهُ السّيْفَ أُمٌّ لَئِيمَةٌ
وَخالٌ رَعَى الأشْوَالَ حتى تَسَعسَعا
رُمَيْلَةُ أوْ شَيْمَاءُ أوْ عَرَكِيّةٌ
دَلُوكٌ برِجْلَيها القَعُودَ المَوَقَّعا
فَلا تَحْسَبَا يا ابْنَيْ رُمَيْلَةَ أنّهُ
يكُونُ بَوَاءً دُونَ أنْ تُقْتَلا مَعا
وَإنْ تُقْتَلا لا تُوفَيَا غَيْرَ أنّهُ
دَمُ الثأرِ أحرَى أنْ يُصَابَ فيَنْقَعا
بَني صَامتٍ هَلاّ زَجَرْتُمْ كِلابَكُمْ
عَنِ اللّحْمِ بالخَبْرَاءِ أنْ يَتَمَزّعا
وَلَيْسَ كَرِيمٌ للخُرَيْبَيْنِ ذائِقاً
قِرىً بَعدما نادى زَبابٌ فاسْمَعا
فشَرْعُكُما ألبانَها فَاصْفِرَا بِهَا
إذا الفَأرُ مِنْ أرضِ السّبيّةِ أمْرَعا
وعقد كانَ عَوْفٌ ذا ذُحُولٍ كَثِيرَةٍ
وَذا طَلَباتٍ تَتْرُكُ الأنْفَ أجْدَعا
أتَيْتَ بَني الشّرْقيّ تَحِسبُ عَزَّهُمْ
على عهد ذي القرنين كان تضعضعا
أتيتهم تسعى لتسقي دماءهم
وَعَمْروٌ بِشاجٍ قَبْرَهُ كانَ أضيْعَا
أتأتُونَ قَوْماً نارُهمْ في أكُفّهِمْ،
وَقاتِلُ عَمْروٍ يَرْقُدُ اللّيلَ أكْتَعا[1]
أنشد الشاعر الفرزدق قصيدة يمدح فيها”زين العابدين”:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته **** والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم **** هذا التقي النقي الطاهر العلم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله **** بجده أنبياء الله قد ختموا
ما قال لا قط إلا في تشهده **** لولا التشهد كانت لاءه نعم
إذا رأته قريش قال قائلها **** إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
قصيدة يفخر الفرزدق فيها بقومه وبنفسه، ويقول:
إن الذي سمك السماء بنى لنا **** بيتًا دعائمه أعز وأطول
أحلامنا تزن الجبال رزانة **** وتخالنا جنًا إذا ما نجهل
وهب القصائد لي النوابغ إذ مضوا**** وأبو يزيد، وذو القروح، وجرول
أبيات غزل لجرير
إن العيون التي في طرفها حور
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك له
وهنّ أضعف خلق الله أركانا[2]