سيرة جاي جولد البارون السارق
عالم المال والاقتصاد من أكثر الأشياء التي من الممكن أن تحتوي على ألاعيب وخدع، لا يمكنك أن تفرق كثيراً بين طاولات السياسة وطاولات المال، وخصوصاً في أمريكا، فكل من تجمع على أياً من هذه الطاولات يظهرون ما لا يبدون، ومن أكثر مواطن المال والمضاربات المشهورة بمثل هذه الأشياء هي الوول ستريت في أمريكا.
فمنذ أكثر من 150 سنة من التاريخ المالي في أمريكا إلي يومنا هذا، ظهر العديد من قراصنة المال، فقبل أن يظهر جولدمان ساكس و جوردون جيكو، كان جاي جولد يلعب بسوق المال الأمريكي كما يحلو له، حتى أصبح من أغنى خمس رجال في أمريكا، وكل هذا بسبب خططه العدوانية أو الإجرامية التي كان يتبعها في
سوق الأسهم.
[1]
من هو البارون السارق
جاي جولد أو كما يدعي البارون السارق، اسمه الأصلي هو جيسون جولد، ولد في السابع والعشرين من مايو سنة 1836، في روكسبري في ولاية نيويورك الأمريكية، وقد توفي في 2 ديسمبر سنة 1892 في نيويورك، هو الممول والمدير التنفيذي للسكك الحديدية و مضارب مخضرم في
البورصة الأمريكية
.
وهو واحد من مطوري السكك الحديدية المهمين بأمريكا، وهو أحد البارونات السارقة عديمة الضمير بين وحوش الرأسمالية الأمريكية في القرن التاسع عشر، وقد تمكن من جمع الكثير الأموال خلال حياته بكل الطرق الممكنة من خلال كل الأساليب المشروعة والغير مشروعة، حتى أنه خلال حياته كان يُعتقد أنه أكثر الرجال احتقارًا في البلاد.[2]
حياة جاي جولد المبكرة
لقد تلقى جولد تعليمه في المدرسة المحلية التابعة لمنطقة سكنة، وعمل لأول مرة كمساح في نيويورك وفي أواخر سن المراهقة كان يعمل في رسم الخرائط الخاصة للمقاطعات في نيويورك، وعمل لفترة في متجر حداد، ثم عمل بالدباغة، وبحلول سنة 1859، بدأ جولد في الدخول في عالم المضاربات في أسواق المال الأمريكية، وقد بدأ في المضاربة في أوراق المال في السكة الحديدية الصغيرة في امريكا، وواصل التعامل والمضاربة في أسهم السكك الحديدية في
مدينة نيويورك
خلال فترة الحرب الأهلية الأمريكية، وهذا في سنة 1863.
جولد في وول ستريت
أنتقل جولد إلي مدينة نيويورك في الخمسينات من القرن التاسع عشر، وقد بدأ في تعلم طرق اللعب بالاسهم والمضاربات في وول ستريت، وكان سوق الأسهم غير منتظم بشكل كبير في هذا الوقت بسبب الظروف التي كانت تمر بها البلاد، فأصبح جولدن بارع في التلاعب بالأسهم، وأظهر موهبة كبيرة في اللعب بالأسهم والمضاربات، فلم يكن يرحم في استخدام التقنيات المختلفة في المضاربة مثل تقنية حصر الأسهم، والتي كان عن طريقها يمكنه أن يرفع الأسعار لبعض الأسهم مما يسبب تدمير الضاربين الذين كان لهم نفس قصير في الأسهم، مع قدرته على المراهنة على انخفاض السعر.
بسبب سمعة جولد السيئة التي انتشرت بشكل كبير عنه كان هناك اعتقاد واسع النطاق على أن جولد سوف يتمكن من رشو السياسيين والقضاة الأمريكيين، وبالتالي سوف يتمكن من أن يتجنب أي قوانين من الممكن أن تحد من الممارسات الغير أخلاقية التي كان يقوم بها.
حرب إيري
في سنة 1867، تمكن جولد من الحصول على منصب في مجلس سكة الحديد إيري، وبدأ العمل مع دانيال درو، والذي كان أيضاً يتلاعب بالأسهم في وول ستريت منذ عقود كثيرة، مما جعله يتمكن من السيطرة على السكك الحديدية، بجانب شريكه الأصغر سناً جيم فيسك الذي كان يدعي الملتهب، وكما هو واضح فلم يكن جولد وحده الذي يتلاعب بسوق الأموال في وول ستريت بل أكان كان يوجد بعض الوحوش الأخرين غيره.
كان جولد وفيسك الملتهب متقاربين في الشخصية، مما جعلهما أصدقاء ثم شركاء، كان فيسك عرضة لجذب الانتباه بسبب أعماله المثيرة للغاية للعامة، وعلى الرغم من هذا كان جولد يبدو كما لو أنه يحب فيسك حقاً، إلا أن الكثير من المؤرخين يتوقعون أن جولد رأى قيمة في شريكه حتى يصرف الانتباه عنه بعض الشيء، وهذا بسبب المخططات التي كان يقودها جولد.
تمكن جولد من الانخراط بين الرجال في الحرب التي كانت قائمة بين جحافل
الرأسمالية
الأمريكية، حتى يتمكنوا من السيطرة على السكك الحديدة في إيري، وكان في الساحة في ذلك الحين أغنى رجل في أمريكا وهو كورنيليوس فاندربيلت يظهر بصقله بحلبة الصراع، وهذا الأمر جعل الحرب على المولود الجديد للسكك الحديدية حرب شرسة.
لعبت حرب إيري مشهد غريب من الدراما العامة بالمؤامرات التجارية، وفجأة قام كلاً من فيسك ودرو وجولد من الفرار إلي فندق في
ولاية نيوجيرسي
حتى يكونوا بعيدين عن متناول السلطات القانونية في ولاية نيويورك، وقام فيسك بتقديم عرض للعامة، حيث قام بإجراء بعض المقابلات الحية مع الصحافة، ورتب جولد لرشوة السياسيين في مدينة ألباني عاصمة الولاية، وواصل الثلاثي وجولد بالتحديد الكفاح بكل الطرق الغير شرعية حتى يتمكنوا من السيطرة على السكك الحديدية وأخيراً انتهت الحرب بنهاية مربكة.
قام كلاً من جولد وفيسك بمقابلة مع أغنى رجل في أمريكا أن ذاك وهو فاندربيلت وقاموا ثلاثتهم بعقد اتفاق، وبفضل كل هذه الصراعات و الاتفاقات والتحالفات التي خاضها جولد سقطت السكك الحديدية في يد جولد بالنهاية، وعلى الرغم من هذا فقد سمح لفيسك الذي كان يد الأمير إيري اليمنى في هذا الوقت أن يكون بالوجهة العامة بالمشروع.[3]
جولد والسكك الحديدية
أدار كلاً من جولد وفيسك خط سكة حديد إيري، إلى أن حل عام 1872، حيث غيرت مجرى الأحداث بسبب قتل فيسك، والذي أصبحت حياته الخاصة موضوعاً تتناوله كل الصحف ونال العناوين الرئيسية من اسمه، وكان هناك احتجاج شعبي كبير على جولد ومن معه بسبب أساليبه الغير مشروعة التي تسببت في كوارث اقتصادية مما جعله يخرج من إدارة سكة حديد إيري.
ولكن هذا الأمر لم يوقف جولد عن حده، بل ظل نشطاً في مجال
السكك الحديدية
، قام بشراء وبيع كميات هائلة من الأسهم الخاصة بالسكك الحديدية.
كان يمتلك جولد في هذا الوقت ثروة تقدر ب 25 مليون دولار، وقام بتوجيه أنظاره إلى السكك الحديدة في الغرب، فقام بشراء العديد من الخطوط الأخرى، حتى أنه بحلول سنة 1881، كانت إمبراطوريته الحديدية في ذروتها حيث أصبحت أكبر إمبراطورية حديدية في البلاد، حيث بلغ مجموعها حوالي 15800 ميل من السكك الحديدية، وهي 15% من إجمالي المسافات في السكك الحديدية في امريكا كلها.
تم تحقيق كل هذه الامبراطورية بسبب التلاعب في أسهم شركة Union Pacific ، وبحلول عام 1882 بدأ في بناء نظام للسكك الحديدية جديدة ليتمركز في ولاية ميسوري، وكانت هذه الخطوط الجديدة تشكل نصف إجمالي خطوط السكك الحديدية في الجزء الجنوبي الغربي سنة 1890.
وفاة البارون السارق
توفي جاي جولد في 2 ديسمبر سنة 1892، بسبب مرض السل، واحتل خبر وفاته الصحف الأولي، وقامت الصحف بنشر العديد من الروايات حول حياته الشخصية والمهنية، وقد توفي وترك خلفه ثورة هائلة تقارب 100 مليون دولار، مع كم أكبر من السمعة السيئة التي جناها على طيلة حياته.