قصة القاضي العادل
العدل هو أساس الملك ؛ فهو صفة واسم من أسماء المولى عزّ وجل الحسنى ، وهي الصفة التي اختص بها الله تعالى عباده الصالحين ؛ حيث يأمر الله بالإنصاف ومنح كل ذي حقٍ حقه ، ويتوجب أن يكون العدل في كل شيء سواء عدل معنوي كالعلاقات بين البشر أو عدل مادي كالحقوق المادية وغيرها ، وقد أمر الله عباده بتحقيق العدل حيث قال تعالى “إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً” ، ومن هذا المنطلق جاء القضاء ليكون ميزانًا للبشر في اختلافاتهم.
العدل في القضاء
إن السلطة القضائية في أي دولة تحمل على عاتقها مهمة عظيمة وصعبة للغاية ، ويكون القاضي هو المحور الرئيسي الذي يرتكز عليه العمل القضائي ؛ ولذلك يجب أن يكون هذا القاضي على قدرٍ كبير جدًا من الوعي والحكمة التي تجعله يصل إلى الأدلة والبراهين التي تحافظ على حقوق البشر ، ومهمة القاضي هي الحكم بين الناس بالعدل ومعاقبة المذنبين وإعادة الحقوق لأهلها ؛ فإن استقام القضاء استقامت الحياة ، وقد ذكر التاريخ أسماء متعددة لقضاة عظماء حكموا بالعدل ومنهم
القاضي اياس
.
قصة عن القاضي العادل
هناك العديد من القصص التي تتحدث عن القضاة وحكمتهم وعدلهم ؛ وفيما يلي قصة عن أحد هؤلاء القضاة :
كان هناك في إحدى البلاد قاضي يتسم بعدله وحكمته وقدرته على معرفة المذنب من البريء ، ولكن ابنه لم يكن يروق له عمل والده بالقضاء ؛ حيث أنه لم يستطع أن يُصدّق أن والده يحكم بالعدل ، وهو ما جعله يتهمه بأنه لا يعرف العدل وعليه أن يترك عمله بالقضاء ، ولكن الأب رفض ما طلبه منه ابنه ، ومضي بين الناس يمارس عمله بشكل طبيعي ؛ فغضب الابن من ذلك وقرر أن يترك المنزل ويغادر إلى مكان آخر.
غادر الابن لاعتقاده بأن والده يقوم بخداع الناس ؛ فرحل بعيدًا ليصل عند أحد الشيوخ الأثرياء ؛ فأحسن الشيخ ضيافته ، وبات الابن ليلته الأولى عند الشيخ وفي الصباح تركه الشيخ نائمًا وخرج مع أولاده ، واستيقظ هذا الابن ليكون شاهدًا على حادثة مؤلمة ؛ حيث شاهد إحدى زوجات الشيخ تحمل طفلًا رضيعًا في فناء المنزل ، وهو ابن زوجها من زوجته الأخرى ، وقامت هذه المرأة بإدخال إبرة كانت معها في رأس الرضيع ؛ الذي صاح من شدة الألم ولكن ما لبث أن مات في الحال.
جاءت أم الرضيع بعد قليل لتُصدم بخبر وفاة ابنها الذي كان موجود مع تلك المرأة القاتلة ؛ حيث لم تبدو بهذا الشر بل كانت تعاملها بأسلوب جيد ، ووصل الشيخ ليكتشف هو الآخر وفاة ابنه الرضيع ، ثم بدأت الزوجتان في تبادل التهم بمقتل هذا الرضيع ، وفي هذه الحالة كان ابن القاضي هو الشاهد الوحيد على هذه الجريمة ، ولكنه لم يُفصح بشيء بل طلب من الشيخ الذهاب إلى قاضي عادل في إشارة منه إلى أبيه ؛ وذلك من أجل أن يعلم ما هو حكمه وهل سيحكم بالعدل أم لا.
جلس ابن القاضي متنكرًا في جلسة القضاء ، وهناك طلب القاضي من زوجتي الشيخ بأن تحلفا اليمين على كتاب الله لقول الحقيقة ؛ فأصرت كل واحدة أن من فعلتها هي الأخرى ؛ فطلب القاضي أن ينفرد بكل واحدة على حدة ، ثم قال لكل واحدة منهما بأنه سيعدمهما ولا يوجد حل سوى أن تتبرج الواحدة منهما لتمشي بثياب شفافة أمام الناس ، ووعد بالعفو عن التي تقوم بذلك ؛ فرفضت أم الرضيع أن تكشف جسدها وفضلّت الإعدام ؛ بينما قامت الأخرى بالتعري لتنجو من الإعدام .
قام القاضي بالحكم على المرأة العارية بالقتل ؛ لأنه كشف أنها القاتلة الفعلية لأنها لم تخاف الله ومضت عارية بين الناس ؛ وبالتالي فهي لم تخاف من عقاب الله حينما قتلت الرضيع ، وهنا اعتذر الابن لأبيه القاضي عن شكوكه السابقة ، ثم شهد بما رآه من تلك المرأة القاتلة وأخبر عن مكان الإبرة ؛ ومن هنا أدرك أن والده القاضي يحكم بين الناس بالعدل.