خطبة عن نقل الكلام بين الناس

بسم الله والصلاة و السلام علي خير خلق الله محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، نستغفِر الله ونستهديه ونشكره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه، أما بعد اليوم اليوم نحن بصدد الحديث عن نقل الكلام والقيل والقال  و تأثيره على العلاقات و المجتمع بأسره.

نقل الكلام

– إن أحد الأهداف العظيمة التي دعتنا لها

الشريعة الإسلامية

، هي الحفاظ على التآخي والمحبة والصفاء بين المسلمين، لذلك أمرنا الله سبحانه وتعالى باتباع وفعل كل ما يساعد على الثبات على ذلك الأصل وتقويته وتوطيده، كما نهى عن كافة الأسباب التي من الممكن أن تتسبب في إضعافه وزعزعته، وذلك لما في التآخي والمحبة من مصلحة كبيرة للمجتمع والأفراد.

– وعندما كان الأمر على ذلك، كان

الشيطان

وأتباعه من الإنس والجن شديدين الحرص على القيام بهدم البنيان الخاص بذلك الأصل والعمل على اجتثاثه، بالإضافة إلى قطع كافة أواصر التآخي والمحبة بين أفراد المجتمع، وتضخيم الخلافات، وإثارة الأجواء حول القلق الاجتماعي، وتسميم بيئة الإسلام والمسلمين.

– فكانت الوسيلة المستخدمة لذلك هي النميمة ونقل الكلام بين الناس، وذلك هو الموضوع الخاص بخطبتنا بإذن الله.

– حيث أن

النميمة

هي تناقل الكلام بين الناس وتداوله بنية التحريش والإفساد وإيقاء العداوة والببغض بين الناس، كما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألا أُنبِّئُكم ما العَضه؟ هي النَّمِيمَة، القَالة بين الناس).

ذنب النميمة

– فالنميمة هي أحد الكبائر و

الذنوب

الكبيرة التي حذرنا منها الله سبحانه وتعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، حيث أنها أحد العادات المذمومة، والأعمال اللئيمة، وهي واحدة من الجرائم الأخلاقية المنكرة التي لها الكثير من الأثار السيئة، كما تتكاثر عواقبها والخيمة، فلا يجيدها سوى الجبناء والضعفاء، ولا يقبلها إلا التافهين والأراذل.

– فالنميمة هي أحد الأمراض العضالية الفتاكة وهي داء خبيث، وهي شر خطير يتسبب في ولادة الكثير من الشرور العظيمة، والتي تنتج المفاسد الشديدة للمجتمع وتورث البغض والعداوة بها، فتعمل على هدم الأسر وتفريق الأزواج والأحبة وقطع صلة الأرحام.

– النميمة هي تلك البضاعة التي يقوم إبليس بعرضها على الناس حتى يشترونها بأبخث الأثمان، فلم يسلم من ضررها وشرها لا صغير ولا كبير إلا من رحم ربي.

النمام في الدين الاسلامي

– فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: (إنَّ الشَّيطانَ قد أيِسَ أن يعبُدَه المصلُّونَ في جزيرةِ العربِ ولَكنْ في التَّحريشِ بينَهم)، حيث أن الشيطان لن ولم ييئس من أن يسعى للتفريق بين الناس ونشر العداوات والتحريش بينهم، وإحداث الفرقة بين الأهل واأصدقاء والأحبة.

– فالنمام هو الشخص خبيث القلب، سليط الإنسان، هو إنسان له عدة وجوه، يقابل كا شخص يتعامل معه بوجه مختلف عن الآخر، فهو يتلون مثل الحرباء وفقا للمنافع والمصالح، ووفقا للمواقف التي تقابله والمصالح التي يرغب بها.

– والنمام هو الذي يسير بين الناس بهدف قطع الأواصل والأرحام وإفساد القلوب والعلاقات، والعمل على هدم الأسر وخراب البيوت وهتك الأسرار والأعراض، كما أنه يعمل على إثارة الفتنة والسعي إلى إحداث الوقيعة بين الأحباب، والقطيعة بين الأصحاب، وزرع الضغائن والأحقاد في القلوب، والعمل على إشعال نيران الكراهية في صدور المحبين، وجعل الأصدقاء أعداء، والأزواج متنافرين، والإخوة متقاطعين.

– فالنمام هو أفضل عون وقرين للشيطان، يقوم بالاستغناء عن دينه بدنيا الأخرين، ويشتري رضا الناس بسخط من الله، لذلك حذرنا الله سبحانه وتعالى من هذه الناس وقال في كتابه الكريم: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ* هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ* مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ* عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ) [القلم: 10- 13].

صفات النمام في القرآن

– وردت في الآية الكريم عشرة صفات متتالية، ونعوت متتابعة، كلها صفات مذمومة وردت بصيغة مبالغة تدل على مدى كثرة وقوع ذلك الإنسان في تلك الصفات، وكل صفة منهم مذمومة أكثر مما قبلها، فذكر أنه حلاف، أي أنه يحلف كذب كثيرا، ولا يحلف كثيرا إلا إنسان الكذاب، حيث أنه يعلم جيدا أنه غير صادق، وهو حقير مهين، حيث أن المهانة هي صفة نفسية تلتصق بالفرد حتى إن كان ذا مال أو ذا جاه، أو ذا جمال.

– وهو هماز، يقوم بهمز الناس ومعايبتهم بالإشارة والأقوال في غيابهم وحتى حضورهم، وهو مشاء بنميم، أي أنه يمشي بين الناس ويشيع بينهم ما يتسبب في إفساد قلوبهم وقطع الصلات بينهم، وهو مناع للخير، أي أنه يتسبب في منه الخير عن نفسه وعن الآخرين، وأنه معتد أثيم، أي أنه ظالم متجاوز للحقوق واقع في المحرمات و

المعاصي

، كما أنه عتل، أي أنه قاسي فظ مكروه حتى إن بدا عليه اللطف المتصنع والرقة المتكلفة، وهو زنيم شرير مدمن لإيذاء الغير كمان أنه يشعر بالمتعة في زرع الأحقاد وبذل الشرور.

– كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حذرنا من أمثال تلك الناس وقال: (تجِدُ من شرِّ النَّاسِ

يومَ القيامةِ

عندَ اللهِ، ذا الوَجهينِ، الذى يأتِي هؤلاءِ بوجهٍ، وهؤلاءِ بوَجهٍ)، وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: (خيار عباد الله الذين إذا رؤوا ذُكر الله، وشرار عباد الله المشاؤون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت)، أي الذين يتسببون في المتاعب والمشقات والمصائب بنميمتهم تلك، كما أنهم يصيبون الأبرياء بالوقوع في المحن.