قصة جبلة بن الأيهم وعاقبة الكبر
جبلة بن الأيهم ملك نصارى العرب، اسمه جبلة بن الأيهم بن جبلة بن الحارث بن أبي شمر، واسمه المنذر بن الحارث، وهو آخر
ملوك الغساسنة
في الشام، حيث حكم ما بين عامي 623 و 638 ميلاديًا، وكان الملك السادس والثلاثين في سلالة الغساسنة الذين كانوا متحالفين مع الروم قبل الإسلام، وهم من النصارى العرب، ويقال أنه أسلم في عهد
عمر بن الخطاب
، وهو ابن مارية ذات القرطين، وابن ثعلبة بن عمرو بن جفنة، وكنيته جبلة أبو المنذر الغساني الجفني.
قصة جبلة بن الأيهم
قيل عن جبلة بن الأيهم أنه أسلم وكتب إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستأذنه في القدوم عليه، وقدم إلى المدينة ولما دخل على عمر رضي الله عنه رحب به وأدنى مجلسه، وخرج بعدها في موسم
الحج
مع عمر رضي الله عنه فبينما هو يطوف بالبيت وطئ على إزاره رجل فقير من بني فزارة فالتفت إليه جبلة مغضبًا فلطمه فهشم أنفه، فغضب الفزاري واشتكاه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فبعث إليه فقال ” ما دعاك يا جبلة إلى أن لطمت أخاك في الطواف فهشمت أنفه ! فقال : أنه وطئ إزاري ولولا حرمة البيت لضربت عنقه، فقال له عمر : اما الآن فقد أقررت فإما أن ترضيه وإلا اقتص منك بلطمك على وجهك.
فقال : يقتص مني وأنا ملك وهو سوقة ! قال عمر رضي الله عنه : يا جبلة إن الإسلام قد ساوى بينك وبينه، فما تفضله بشيء إلا التقوى، قال جبلة : إذن اتنصر، قال عمر رضي الله عنه : من بدل دينه فاقتلوه، وفي ذلك الوقت حدثت منازعة حقيقية بين بني جبلة وبني فزارة كادت تؤدي إلى حرب دامية، وبعدها أجلت الحرب إلى غد، وفي ذلك الوقت عندما كان الليل خرج جبلة وأصحابه من
مكة
وذهب إلى
القسطنطينية
فتنصر، وبقى على نصرانيته حتى مات.
وعلى الرغم من إنتشار تلك الرواية بين الكثير من الأفراد إلى أنها لم تثبت صحتها، فهي ليست مقطوعة من الصحة وليست مؤكدة، حيث قال عنه ابن عساكر، أنه لم يسلم قط، وأيضًا صرح بذلك الواحدي وسعيد بن عبدالعزيز.
القصة برواية أخرى
استدعى عمر رضي الله عنه الملك الغساني إلى مجلسه ويجري بينهما حوار جاء على الشكل التالي :
” قال عمر: جاءني هذا الصباح، مشهد يبعث في النفس المرارة، بدويٌّ من فزارة، بدماء تتظلَّم بجراح تتكلَّم، مقلة غارت وأنف قد تهشم، وسألناه فألقى فادِحَ الوزر عليك، بيديك، أصحيح ما ادَّعى هذا الفزاري الجريح ؟ قال جبلة: لست ممن ينكر، أو يكتم شيئاً، أنا أدَّبتُ الفتى، أدركتُ حقي بيدي، قال عمر: أيُّ حقٍّ يا ابن أيهم، عند غيري يقهر المستضعف العافي ويظلم، عند غيري جبهة بالإثم والباطل تُلطَم، نزوات الجاهلية، ورياح العنجهية، قد دفناها وأقمنا فوقها صرحاً جديداً، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً، أرض الفتى، لابد من إرضائه مازال ظفرك عالقاً بدمائه، أو يهشمن الآن أنفك، وتنال ما فعلته كفك، قال جبلة: كيف ذاك يا أمير المؤمنين، هو سوقة وأنا صاحب تاج، كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً، كان وهماً ما مشى في خلدي، أنني عندك أقوى وأعز، أنا مرتد إذا أكرهتني . قال عمر: عالم نبنيه، كل صدع فيه بشبا السيف عندك أقوى وأعز، أنا مرتد إذا أكرهتني . قال عمر: عالم نبنيه، كل صدع فيه بشبا السيف يداوى، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى “.
وفي ذلك الوضع لم يستوعب جبلة معنى هذا الكلام وقيمته في الإسلام وهرب من المدينة، ولم يبالي عمر ولا
الصحابة
بتلك النتيجة، حيث أن ارتداد رجل عن الإسلام أهون بكثير من التهاون في تطبيق أي مبدأ من مبادئ الإسلام، كما أنه في الإسلام خسارة فرد لا تقاس بخسارة المبدأ، كما أن من ثمرات الإسلام اليانعة دعوته إلى السلام بأوسع معاني هذه الكلمة سواء بالمعاني الفردية أو الجماعية أو المادية أو الروحية.
مبادئ الإسلام
إن الإنسان مفطور على حب الوجود وحب سلامة الوجود في الحياة، فهو مفطور على حب سلامته وسعادته فالسلامة و
السعادة
من أهم مبادئ الإسلام، فالإنسان يكون خبير بأسباب سلامته وسعادته، قال الله سبحانه وتعالى ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ”
سورة البقرة
الآية 21، ومنهج الإسلام هو منهج خبير بسلامة وسعادة الإنسان، حيث اهتم
القرآن الكريم
و
السنة النبوية
بالإنسان وبيان الموعظة والبرهان في كافة الأمور، فالقرآن الكريم هو شفاء لما في الصدور ومن يعمل به يؤجر من الله سبحانه وتعالى، وليس هذا فقط بل يهديه الله إلى الصراط المستقيم، قال تعالى ﴿ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ﴾ سورة المائدة الآية 16.
فيجب على الإنسان أن يهتم بمبادئ الإسلام وأن يعتقد بما جاء به القرآن الكريم، وأن يحل حلاله ويحرم حرامه، فقال الله سبحانه وتعالى “كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا” سورة الأحزاب الآية 36، فعندما يهدي الله الإنسان سبل السلام بأوسع معانيه يهديه أيضًا السلام مع النفس، فتبعد عنه الكآبة والانقباض ويبعد عنه الشعور بالذنب والحسرة والندم.