شمائل النبي صلى الله عليه وسلم في مقتنياته
قال الله عز وجل بشأن رسوله صلى الله عليه وسلم :
(
لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا
)
، ووفقا لما يصدر من
الرسول
من الأفعال والأقوال فإنها تتفرع إلى شقين ، فهناك ما هو عبادة ، وهناك ما هو عادة ، كما أن هناك ما يكون خاص به فقط من العبادات ، مما ورد دليل يؤكد ذلك ، كما أن هناك من العبادات ما يكون عام لجميع المسلمين ، وهو الأصل والغالب فيها .
فتتمثل مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم في تبليغ الناس بما يتعبد به عن طريق الأفعال أو الأخبار أو الإقرار أو بجميع الطرق السابقة ، والعادات التي تصدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم منها ما قد يكون من غير إرادة
التقرب من الله
عز وجل ، كالقائم بفعل ما عن طريق الصدفة ، أو مجاراة لأهل زمان معين ، وهي ما أسماه الفقهاء الأفعال العادية ، أو الأفعال المباحة أو التي لا يوجد بها معنى للقربة .
أما الأفعال التي تصدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم بشكل منفصل فتنقسم إلى خمسة أنواع ، الأول منها ما يكون في العبادات العامة، التي وردت لتخصص نص عام، أو تقيد نص مطلق، أو تبين نص مجمل، مثل: أفعال
الحج والعمرة
، وصلاة الفريضة، وصلاة النافلة، وقطع يد السارق.
والنوع الثاني يتمثل في الأفعال الخاصة بالرسول، مثل الأمية، والمتابعة في الصيام ، والجمع بين أكثر من أربع زوجات، والنوع الثالث الأفعال الجبلية، مثل القيام والجلوس والمشي، وتجدر الإشارة إلى أن مثل تلك الأفعال لا يتعلق بها أمر أو نهي، والنوع الرابع الأفعال التي يقوم بها وفق العادات، مثل طول اللباس والشعر، وهذه الأفعال ليس القصد منها التشريع ولا العبادة إلا إن دل عليها دليل ما، وآخر نوع يتمثل بالأفعال المطلقة التي لم يرد فيها دليل يبين القصد منها إن كان للتقرب من الله أم لا .
شمائل النبي عليه الصلاة والسلام
الشمائل جمع شميلة ، وتعني الأخلاق والطباع والخصال ، حيث يقال رجل كريم الشمائل ، أي كريم الأخلاق ويتمتع بصفات حسنة ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم هو الجامع للشمائل التي حث عليها الإسلام ، والتي نوضح أبرزها خلال هذا المقال .
رحمة النبي
قال الله عز وجل عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم :
(
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ
)
فيقوم الإسلام على الرحمة سواء في الأصول أم الفروع ، وكان محمد أرحم الخلق ، حتى أن رحمته أصابت الحيوانات ، وتدل الآية السابقة على أن الرسول قد أرسل ليكون رحمة لكل الناس وليس فقط للمؤمنين ، ويفسر ذلك بما قد تحدث به
ابن عباس
رضي الله عنه (من تبعه كان له رحمة في الدنيا والآخرة ومن لم يتبعه عوفي مما كان يُبتلى به سائر الأمم من الخسف والمسخ والقذف)، ومن أبرز المشاهد التي تدل على رحمة النبي مداعبته للصغار وملاعبتهم وتقبيله لهم .
صبر وحلم النبي
يعد الحلم صفة عليا من صفات الله عز وجل ، والدليل على ذلك قوله :
(
قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّـهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ
)
، والحلم أيضا أحد صفات الأنبياء عليهم السلام أجمعين ، فقال الله تعالى عن
ابراهيم عليه السلام
:
(
إِنَّ إِبراهيمَ لَأَوّاهٌ حَليمٌ
)
، كما كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يمتثل الحلم في مواقف كثيرة خلال دعوته ، مثلما حدث في غزوة أحد عندما كسرت رباعيته ، وجرح وجهه ، فغضب الصحابة رضي الله عنهم، حتى قيل للرسول ادعُ على المشركين، فأجاب الرسول قائلاً:
(
إني لم أُبعَثْ لعَّانًا . وإنما بُعِثتُ رحمةً
)
، وهناك مواقف أخرى تشهد على حلم النبي مثلما حدث معه عندما ذهب ليبلغ الدعوة لأهل الطائف، فشتموه، وسخروا منه، وجعلوا السفهاء يرشقونه بالحجارة، فصبر عليهم وتحمل منهم الأذى، ودعا الله لهم، رغم أن الله تعالى أرسل إليه جبريل وملك الجبال ليأمرهما النبي بما يشاء، إلا أنه رفض ذلك، وظل صابراً حليماً آملاً بهدايتهم.
تواضع النبي
لقد كان النبي عليه الصلاة والسلام متواضعاً في نفسه، وكان يأخذ رأي الصحابة رضي الله عنهم ويشاورهم في الأمور، ومما يدل على تواضعه ما كان من النبي يوم
غزوة الخندق
، عندما أخذ برأي سلمان الفارسي، وحفر الخندق، كما أنه شارك الصحابة في حفره، وفي غزوة بدر أخذ الرسول عليه الصلاة والسلام برأي الحباب بن المنذر بوقوف المسلمين إلى الأمام من مياه بدر، ليمنع المشركين منها، وكان النبي يعمل برعي الأغنام، ودليل ذلك ما رواه عنه الصحابي
أبي هريرة
رضي الله عنه، حيث قال:
(
ما بعثَ اللَّهُ نبيًّا إلَّا راعيَ غنَمٍ، قالَ لَهُ أصحابُهُ : وأنتَ يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ : وأَنا كُنتُ أرعاها لأَهْلِ مَكَّةَ بالقَراريط
)
فرعي الأغنام يربي النفوس على التواضع والذل لله تعالى، والصبر والتحمل.
حياء النبي
نجد أن الله تعالى وصف حياء النبي عليه الصلاة والسلام قائلاً:
(
إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّـهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ
)
، ونزلت الآية في حادثة
زواج الرسول
عليه الصلاة والسلام من زينب بنت جحش رضي الله عنها، عندما دعا الرسول قوم فأكلوا، وبقوا ثلاثة منهم جالسين، ولم يذهبوا رغم أن النبي قام من المجلس، وعاد النبي ورآهم جلوس، فذهب، وبعد ذلك قام الثلاثة من المجلس، وبعد ذلك دخل النبي وأنزل الله تعالى عليه الآية المذكورة آنفاً، فحياء النبي تمثل بعدم التحدث إلى الثلاثة ليذهبوا من المجلس .