معاني ذهبية للمقولة ” ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل شعر “
جاء القول الشهير ” ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل ” من قصيدة ” لامية العجم ” الذي ألفها الطغرائي المتوفي عام 514 هـ ، وفي تلك القصيدة قام الطغرائي بمحاكاة قصيدة لامية العرب للشنفري الأزدي ، وقد استخدم فيها أسلوب متين وجمع فيه بين المكونات التراثية والصنعة البديعية .
معنى جملة ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
صار هذا الشطر الذي قاله الطغرائي في شعره بمثابة مثل معروف ، وغزا الكتب والألسنة حتى كاد أن يفقد معناه ، والحقيقة أن المعنى وراء تلك المقولة عظيم ، فالأمل يعد بمثابة الكثير من الأدوية التي نقوم بشراءها من
الصيدليات
، فهو يعطينا الاحساس بالراحة إذا استخدمناه بشكل حذر وبجرعات محسوبة ، وهو لديه القدرة على شفاء جروح واقعنا البائس .
فالسجين لكي يتحمل مرور السنوات عليه في السجن فإنه يتعلق بضوء
الفجر
الساطع الذي يراه من النافذة في أعلى الزنزانة ، فهو الذي يمده بجرعات خفيفة من الأمل تمنيه بالحرية ، وتجعله قادر على تحمل ما يمر به ، فالأمل هي القشة التي يتعلق بها الغريق حتى إذا علم أنها لن تنجح في انتشاله من غرقه المحتوم .
ومن المستحيل أن نتخيل وجود حياة حقيقية بدون أمل ، فالأمل هو بمثابة الوقود الذي يجعلنا نستمر في تلك الحياة ، وبدونه لا نصبح بشر أسوياء ، حيث نتحول إلى مجرد روبوتات تقوم بتأدية وظائفها بالحياة في انتظار انتهاء تاريخ صلاحيتها ، إلا أنه في نفس الوقت علينا أن نعلم أن الاتكال على الأمل وحده ليس أمرًا صحيًا على الاطلاق ، فالحياة بدونه لا تكون ، ولكنها به وحده لا تصلح أيضًا .
ومن الممكن أن يكون
الأمل
في بعض الأحيان أقسى من اليأس ، فاليأس هو النهاية ، أما الأمل فيوجد على الجانب الآخر منه الخيبة بالانتظار ، فهناك من يستقبلون ركام أحلامهم المنكسرة ، ويتعرضون للأذى النفسى الشديد في مقابل كل جرعة أمل تجرعوها بجرعات مضاعفة ، ولذلك لابد لنا أن لا نبالغ في شعورنا بالأمل حتى لا يخدعنا ، وفي نفس الوقت لا يجب أن نتخلى عنه بشكل مطلق حتى نشعر بلذة الحياة .
قصيدة لامية العجم
أصالَةُ الرَّأيِ صانَتْني عنِ الخَطَلِ
وحِليةُ الفَضْلِ زانَتْني لَدَى العَطَلِ
مَجدي أخيراً ومجدي أولاً شَرَعٌ
والشَّمسُ رأدَ الضُّحى كالشَّمسِ في الطَّفَلِ
فيمَ الإقامَةُ بالزَّوراءِ لا سَكَني
بِها ولا ناقَتي فيها ولا جَمَلي
ناءٍ عن الأهلِ صِفرُ الكَفِّ مُنفردٌ
كالنَّصْلِ عُرِّيَ مَثناهُ عنِ الخِلَلِ
فلا صديقٌ إليهِ مُشتكَى حَزَني
ولا أنيسٌ إليهِ مُنتهى جَذَلي
طالَ اغترابيَ حتَّى حَنّ راحلتَي
ورَحْلُها وقنا العَسَّالةِ الذُبُلِ
وضَجَّ من لَغَبٍ نِضوي وعَجَّ لِما
يلقاهُ قلبي وَلَجَّ الرَّكبُ في عَذَلي
أريدُ بَسطةَ كفٍّ أستعينُ بها
لى قضاءِ حقوقٍ للعُلى قِبَلي
والدَّهرُ يعكِسُ آمالي ويُقنعُني
من الغنيمةِ بعدَ الكَدِّ بالقَفَلِ
وذي شَطاطٍ كصَدرِ الرُّمحِ مُعتقِلٍ
بمثلِهِ غيرِ هَيَّابٍ ولا وَكَلِ
حُلوِ الفَكاهةِ مُرِّ الجِدِّ قد مُزجَتْ
بقَسوةِ البأسِ منهُ رِقَّةُ الغَزَلِ
طَردتُ سَرحَ الكَرَى عن وِرْدِ مُقلتِهِ
واللَّيلُ أغرَى سَوامَ النَّومِ بالمُقَلِ
والرَّكبُ مِيلٌ على الأكوارِ من طَربٍ
صاحٍ وآخرَ من خَمرِ الكرى ثَمِلِ
فقلتُ أدعوكَ للجُلىَّ لتَنصُرَني
وأنتَ تَخذُلُني في الحادِثِ الجَلَلِ
تنامُ عَيني وعينُ النَّجمِ ساهرةٌ
وتستَحيلُ وصِبغُ الليلِ لم يَحُلِ
فهلْ تُعينُ على غَيٍّ هَمَمتُ به
والغَيُّ يَزْجُرُ أحياناً عَنِ الفَشَلِ
إنّي أُريدُ طُروقَ الحيِّ من إضَمٍ
وقد حَمَتهُ رُماةٌ من بَني ثُعَلِ
يَحمونَ بالبيضِ والسُّمْرِ اللِّدانِ بهِ
سُودَ الغَدائرِ حُمرَ الحَليِ والحُللِ
فَسِرْ بِنا في ذِمامِ الليلِ مُهتدياً
بنفحَةِ الطِّيبِ تَهدينا إلى الحِلَلِ
فالحبُّ حيثُ العِدى والأُسْدُ رابضَةٌ
حولَ الكِناس لها غابٌ من الأَسَلِ
نَؤُمُّ ناشئةً بالجِزعِ قد سُقيتْ
نِصالُها بمياهِ الغُنْجِ والكَحَلِ
قد زادَ طيبَ أحاديثِ الكِرامِ بها
ما بالكرائِمِ من جُبنٍ ومن بَخَلِ
تبيتُ نارُ الهَوى منهنَّ في كبدٍ
حَرَّى ونارُ القِرَى منهمْ على القُلَلِ
يقتُلنَ أنضاءَ حُبٍّ لا حَراكَ بهمْ
ويَنحَرونَ كِرامَ الخيلِ والإبلِ
يُشفَى لديغُ العَوالي في بيوتِهمِ
بنهلةٍ من غَديرِ الخمرِ والعَسَلِ
لعلَّ إلمامةً بالجزعِ ثانيةً
يَدِبُّ منها نسيمُ البُرءِ في عِلَلي
لا أكرهُ الطَّعنةَ النَّجلاءَ قد شُفِعَتْ
برشفةٍ من زُلالِ الأعينِ النُّجلِ
ولا أهابُ الصِّفاحَ البيضَ تُسعدُني
باللَّمحِ من خَلَلِ الأستارِ في الكِلَلِ
ولا أُخلُّ بغزلانٍ أُغازلُها
ولو دَهَتني أُسودُ الغابِ بالغيَلِ
حُبُّ السَّلامةِ يَثني همَّ صاحبِه
عنِ المعالي ويُغري المرءَ بالكَسَلِ
فإنْ جَنَحتَ إليهِ فاتَّخذْ نَفَقاً
في الأرضِ أو سُلَّماً في الجوِّ فاعتزلِ
ودَعْ غِمارَ العُلى للمُقدِمينَ على
رُكوبِها واقتَنعْ منهنَّ بالبَلَلِ
يَرضى الذَّليلُ بخفضِ العيشِ يَخفضُهُ
والعِزُّ عندَ رَسيمِ الأينُقِ الذُّلُلِ
فادرأْ بها في نُحورِ البيدِ جافلةً
مُعارضاتٍ مثاني اللُّجمِ بِالجُدُلِ
إنَّ العُلى حدَّثتنْي وهيَ صادقةٌ
فيما تُحدِّثُ أنَّ العِزَّ في النُّقَلِ
لو أنَّ في شرفِ المأوى بُلوغَ مُنىً
لم تبرحِ الشَّمسُ يوماً دارةَ الحَمَلِ
أهبتُ بالحظِّ لو ناديتُ مُستمعاً
والحظُّ عنّيَ بالجُهَّالِ في شُغلِ
لعلَّهُ إنْ بدا فضلي ونقصُهُمُ
لِعينهِ نامَ عنهمْ أو تنبَّهَ لي
أُعلِّلُ النَّفسَ بالآمالِ أرقُبُها
ما أضيقَ العيشَ لولا فَسحةُ الأملِ
لم أرضَ بالعيشِ والأيامُ مقبلةٌ
فكيفَ أرضى وقد ولَّتْ على عَجَلِ
غالىَ بنفسيَ عِرفاني بقيمتِها
فصُنْتُها عن رخيصِ القَدرِ مُبتذَلِ
وعادةُ النَّصْلِ أن يَزهو بجوهرِهِ
وليسَ يعملُ إلا في يَديْ بَطَلِ
ما كنتُ أوثِرُ أنْ يمتدَّ بي زَمني
حتَّى أرى دولةَ الأوغادِ والسِّفلِ
تَقَدَّمَتْني أناسٌ كانَ شَوطُهُمُ
وراءَ خطويَ إذْ أمشي على مَهَلِ
هذا جزاءُ امريءٍ أقرانُهُ دَرَجوا
من قبلهِ فتمنَّى فُسحةَ الأجلِ
وإنْ علانيَ مَنْ دوني فلا عجبٌ
لي أُسوةٌ بانحطاطِ الشمسِ عن زُحلِ
فاصبرْ لها غيرَ محتالٍ ولا ضَجرٍ
في حادثِ الدَّهرِ ما يُغني عن الحيَلِ
أعدَى عَدوِّكَ أدنى منْ وثَقتَ بهِ
فحاذِرِ الناسَ واصحبهمْ على دَخَلِ
فإنَّما رجلُ الدُّنيا وواحدُها
مَنْ لا يُعوِّلُ في الدُّنيا على رَجُلِ
وحُسنُ ظنِّكَ بالأيامِ مَعْجِزةٌ
فظُنَّ شرّاً وكُنْ منها على وَجَلِ
غاضَ الوفاءُ وفاضَ الغدرُ وانفرجتْ
مسافةُ الخُلْفِ بينَ القَولِ والعملِ
وشانَ صِدْقَكَ بينَ الناسِ كذبُهُمُ
وهلْ يُطابَقُ مُعوَجٌّ بمُعتدلِ
إنْ كانَ ينجمُ شيءٌ في ثَباتهمِ
على العُهودِ فسَبقُ السَّيفِ للعَذَلِ
يا وارِداً سُؤرَ عيشٍ كلُّهُ كّدّرٌ
أنفقتَ صَفوَكَ في أيامِكَ الأولِ
فيمَ اقتحامُكَ لُجَّ البحرِ تركبُهُ
وأنتَ تكفيكَ منهُ مُصَّةُ الوَشَلِ
مُلكُ القناعةِ لا يُخشى عليه ولا
يحتاجُ فيه إلى الأنصارِ والخَوَلِ
ترجو البقاءَ بدارٍ لا ثباتَ لها
فهلْ سمعتَ بظلٍّ غيرِ مُنتقلِ
ويا خبيراً على الأسرارِ مُطَّلعاً
اصمتْ ففي الصَّمتِ منجاةٌ من الزَّلّلِ
قد رشَّحوكَ لأمرٍ إنْ فطِنتَ لهُ
فاربأْ بنفسِكَ أنْ تَرعى معَ الهَمَلِ