انواع اعمال القلوب و اثرها
خلق الله جل وعلا الإنسان بهدف عبادة الله وحده لاشريك الله ، وقال في كتابه الكريم : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}. وتعرف العبادة على أنها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والخفية وهذا وفق تعريف شيخ الإسلام
ابن تيمية
.
أنواع العبادات
_ أقوال وأفعال ظاهرة ( العبادات البدنية ) كالصوم و
الصلاة
.
_ أقوال وأفعال باطنة وخفية ( العبادات القلبية ) كحب الله ورسوله وخشية الله وإخلاص الدين والنية وغيرها .
فالظاهر يعبر عن قول اللسان وعمل الجوارح والباطن يعبر عن قول وعمل القلب . والتقصير في أي منها يعتبر تقصير في العبادة ، فكمال العبادات يكتمل بكمال ظاهرها وباطنها .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [الأعمال الظاهرة لا تكون صالحة مقبولة إلا بتوسط عمل القلب] ، فمثلاً الصلاة لها ظاهر وهي الأركان والواجبات والسنن، ولها باطن وهو
الخشوع
والإخبات والإخلاص وغيرها.
وعلى هذا فالعبادات القلبية هي أعمال القلوب كالمحبة والشوق والخوف والرجاء والذل والخضوع والتواضع والتضرع ومثيلاتها .
أنواع أعمال القلوب
تتنوع وتكثر الأعمال القلبية ومنها :
محبة الله
من أكثر الأعمال القلبية فائدة محبة الله ، فالقلب يجب أن يتعلق بخالقه ورازقه ولكي يستطيع القلب أن يصل لمرتبة التعلق بخالقه فعليه بعض
الصبر
والمثابرة والمجاهدة ، فالتعلق بالدنيا من أسباب بعد القلب وعدم تعلقه بخالقه .
الصبر
فالصبر وسيلة للنجاح والترقي والعلو فهو بمثابة سفينة تحمل صاحبها لبر الأمان وتصل به للنصر .
الزهد
فالدنيا دار زوال فهي متاع الغرور فيجب عدم الاغترار بها والفرح على ما لقينا فيها وكذلك علينا بتربية النفس على عدم الجزع و
الخوف
من أقدار الله .
الصدق
الصدق أصل أعمال القلوب فكل الأعمال الصالحة أصلها الصدق والبعد عن الكذب و
الرياء
، والأعمال الفاسدة أصلها الكذب والنفاق .
الإخلاص
يجب لإخلاص لله وحده في جميع أقوالنا وأفعالنا فالبعد عن الإخلاص يعني تجرد القلب من حب الخالق .
الحياء
من أعظم الأخلاق وأجلها صفة الحياء ففيه رفعة لشأن صاحبة فالمسلم يجب أن يتصف بالحياء .
محاسبة النفس
محاسبة النفس
من الأمور الهامة التي تستقيم بها أمو ديننا ودنيانا فمن لم يحاسب نفسه خسر وندم وتحسر على ما فاته ومن حاسب نفسه حسن منقلبه ومآبه .
الشكر
فشكر الله من أعظم النعم التي ينعم بها الخالق علينا فالإيمان نصف شكر ونصف صبر ، وسبب في زيادة عطاء الله وكرمه ، فقال تعالى جل وعلا : (( لإن شكرتم لأزيدنكم )) صدق الله العظيم .
التوكل على الله
التوكل على الله
من أعظم الواجبات الإيمانية وأقربها لله عز وجل فلا يتم أمر إلا بالإستعانة والتوكل على الله ، فإن أرد شيئا فإنما يقول له كن فيكون .
محبة الرسول
فحب رسول الله صل الله عليه وسلم من أعظم أعمال القلوب وهو من الأمور الوجدانية التي يستطيع المؤمن أن يجدها في قلبه ويستشعر حلاوتها ، وعلى قدر إيمان كل فرد على قدر درجة محبته لرسول الله صل الله عليه وسلم .
الخشوع والخوف والرجاء والطمع
فإذا خلى القلب من هذه الصفات فأصبح كالميت الذي لا روح فيه ولا فائدة لحياته .
أهمية الأعمال القلبية
يعتقد الكثير من الناس أن أعمال القلوب من أفضل الأعمال والذي يقوم بها له ثواب وأجر عظيم ، ومن يقصر فيها فليس عليه حرج ، ويوضح هذا أسباب تقصير الكثير من الناس في تعلم أعمال القلوب وتكميلها على أكمل وجه كمثلها من الأعمال البدنية التي تتم بالجوارح .
يقول
ابن القيم
رحمه الله تعالى عند بيانه لوجوب أعمال القلوب: [فإن العبد كثيراً ما يترك واجبات لا يعلم بها ولا بوجوبها، فيكون مقصراً في العلم، وكثيراً ما يتركها بعد العلم بها وبوجوبها إما كسلاً أو تهاوناً، وإما لنوع باطل أو تقليداً، أو لظنه أنه مشتغل بما هو أوجب منها، أو لغير ذلك] .
وعلى هذا يمكننا ذكر عدة نقاط لتوضيح أهمية الأعمال القلبية :
1 – أعمال القلوب واجبة على كل مسلم كأعمال الجوارح بل هي أوجب منها .
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: [فواجبات القلوب أشد وجوباً من واجبات الأبدان وآكد منها، وكأنها ليست من واجبات الدين عند كثير من الناس، بل هي من باب الفضائل والمستحبات ، فتراه يتحرَّج من تركِ واجب من واجبات الأبدان، وقد ترك ما هو أهمّ واجبات القلوب وأفْرَضها، ويتحرج من فعل أدنى المحرمات، وقد ارتكب من محرمات القلوب ما هو أشد تحريماً وأعظم إثماً] .
2- عند قيام العبد بالأعمال القلبية التي تكون بتوفيق الله عزو جل وتيسيره فبها يحصل على الثواب وبتقصيره فيها سبب لنيله العقاب كسائر العبادات البدنية .
يقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى: [وربما رأى العاصي سلامة بدنه وماله فظن أنه لا عقوبة، وغلفته عما عوقب به عقوبة. وقد قال الحكماء: المعصية بعد المعصية عقاب المعصية، والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة. وربما كان العقاب العاجل معنوياً، كما قال بعض أحبار بني إسرائيل: يا ربِّ كم أعصيك ولا تعاقبني؟ قيل له: كم أعا قبك ولا تدري، أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي؟] . وأما في الآخرة فإن الله تعالى يقول: {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ}، ويقول جل شأنه: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}.
3- العبادات القلبية أصل العبادات البدنية ومكملة لها فهي روح العبادات البدنية .
يقول ابن القيم رحمه الله : [وإنما هي الأصل المراد المقصود، وأعمال الجوارح تبعٌ ومكملة ومُتممةٌ، وإن النية بمنزلة الروح، والعمل بمنزلة الجسد والأعضاء، الذي إذا فارق الروح فموات، وكذلك العمل إذا لم تصحبه النية فحركة عابث. فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح؛ إذ هي أصلها، وأحكام الجوارح متفرعة عليها] .
4 – يفرق الله بين عباده بقلوبهم واختلاف سرائرهم ، قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} .
وقال رسول الله صل الله عليه وسلم: “التقوى هاهنا” ويشير إلى صدره ثلاث مرات” .
و قال
ابن مسعود
رضي الله عنه في وصف أصحاب الرسول – صل الله عليه وسلم – : (أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة، أبرها قلوبا…)
وأفاد شيخ الإسلام ابن تيمية بخصوص عمر رضي الله عنه أنه كان من
المبشرين بالجنة
على الرغم من تأخر اسلامه إلا أنه تفوق على جميع الصحابة سوى أبو بكر بما في قلبه وقد أفاد شيخ الإسلام عن ذلك بقوله: [وكان عمر لكونه أكمل إيماناً وإخلاصاً وصدقاً ومعرفة وفارسة ونوراً أبعد عن هوى النفس وأعلى همة في إقامة دين الله، مقدماً على سائر المسلمين غير أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين] .
5- تفاوت أعمال العباد عند الله بتفاوت ما في قلوبهم ، فمن الممكن أن يعمل الرجلين نفس العمل ولكن يتفاوت الأجر ببعد السماء عن الأرض اعتباراً لما في قلبيهم .
ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: [والله يضاعف ذلك بحسب حال المنفق وإيمانه وإخلاصه وإحسانه، ونفع نفقته وقدرها، ووقوعها موقعها، فإن ثواب الإنفاق يتفاوت بحسب ما يقوم بالقلب من الإيمان والإخلاص والتثبيث عند النفقة] .
6 – يجب أن نعلم جيداً أن القلب محل نظر الرب فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : “إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم” .