ما هو تلقي الركبان؟
يعتبر تلقي الركبان هو إحدى صور خيار الغبن والذي يقصد به التقاء المسافرين في مكان ما خارج البلدة للقادمين من أجل
التجارة
من مكان بعيد وهم في هذه الحالة لا يعلمون شيئاً عن الأسعار التي توجد داخل السوق، فيبيعوهم بضاعتهم بسعر منخفض عن الذي يوجد في
السوق
، ولكن بحسب قول رسولنا الكريم صلّ الله عليه وسلم من وجد في نفسه أنه قد تعرض للخداع أو الغبن فله الخيار بفسخ العقد حيث يقول الرسول صلّ الله عليه وسلم في حديثه الشريف (لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار ).
ما هو تلقي الركبان؟
جاء الحديث الشريف موضحًا في معناه لعدة أخبار، فقد نهى
رسول الله صلّ الله عليه وسلم
في حديثه الشريف عن تلقي الركبان، والركبان جمع راكب أي الراكب على الدابة، وهم التجار الذي يأتون إلى البلدة للبيع، وهنا يجب أن ننوه أنه لا يشترط أن يكونوا ركبانا فقد يكونوا ركبانا أو مشاة أيضًا، أنما في الغالب يكون ركبانا لأنه يأتي من مكان بعيد، نهى الرسول الكريم في حديثه من تلقيهم وعدم جواز الشراء منهم.
فإذا ما قدموا الركبان للبلدة ومعهم بضائعهم فلا يجوز الشراء منهم، والعلة والسبب في ذلك هو المحافظة على حقوق الركبان وخشية إلحاق الضرر بهم، حيث أن عند تلاقيهم والشراء منهم يكون قد أوقع عليهم الضرر حيث أنهم لا يعلمون السعر الحقيقي داخل السوق فهم اتوا للتو، أم من يشتري فهو يعلم بالسعر كما أن ذلك يكون فيه ضرر أيضًا عن من يبيع داخل السوق من كساد بضاعته وبالتالي يحل الضرر لأهل البلد عامة.
وهنا كان الاختلاف في المعنى هل كان النهي القصد به إبعاد الضرر عن الركبان أم إبعاد الضرر عن أهل السوق، والأظهر والله هو الأعلم – أن الشارع قد قام بإبعاد الضرر عن الجميع، فهو دفع وإبعاد الضرر في البداية عن الركبان، ثم يؤول من بعد ذلك بدفع الضرر عن من هم في السوق، حيث أن هناك البعض يقوم بشراء السلع من الركبان ومن ثم احتكارها ومنعها عن غيره ويتضارب فيها، ومنعها عن عموم الناس إلا من يشتريها لحاجته الشديدة إليها لا للبيع.
فيكون هنا الشارع قد راعى مصلحة الجميع عموم الناس والركبان معًا، وهذا
الحديث
من الأحاديث العامة في التلقي، كما لا يجوز أيضًا أن يشترى من الركبان حتى وأن كانوا داخل البلدة ولكن لم يدخل إلى السوق.
شروط الشراء من الركبان
يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر: “حتى يبلغ بها به السوق ” فمنتهى النهي هنا عن التلقي هو أن يبلغ السوق، فمن أتى بسلعته من خارج البلدة فلا شراء ولا تلقي به حتى يدخل إلى السوق.
ولكن كان هناك اختلاف من
العلماء
حول هذا المعنى، وذكروا بعض النهي ولكن بشروط وقد تم تحديد خمسة شروط كما ورد في مذهب الإمام أحمد رحمه الله وذكر غيرهم شروطًا أخرى ومن هذه الشروط ما يلي:
- أن يكون الركبان القادمون لا يعلمون عن السعر من قبل.
- في حالة ما قام الركبان هم شخصيًا بعرض السعر على المتلقي يجوز هنا الشراء فهو أعلم بسعر بضاعته ولكن الصواب المنع مطلقًا للنهي، والعلة في ذلك كما وردت في صحيح مسلم عن جابر أن الرسول عليه السلام قال ” دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض “.
- والأمر هنا أنه يفضل أن يكون البيع والشراء عامًا ولا يختص به أشخاص عن غيرهم وهو العموم والأظهر.
آراء فقهية أخرى في الشراء من الركبان
ذكر ابن دقيق العيد رحمه الله، أن هناك قاعدة أصولية قد اختلف العلماء فيها ، وهي ” هل يمكن أن يستنبط من النص معنى آخر يخص به” والصحيح هنا أنه يجوز الاستنباط حيث أتت بعض الأخبار تدل على هذا ، حيث ينظر في النص كما ينظر في العلة، فلا يكون هناك مانع من التخصيص حتى بعد فوات العلة التي قد جاء النهي لأجلها.
ففي القول الذي يخص النهي عن الركبان على سبيل المثال قال بعضهم هناك سؤال هام وهو : ” إذا كانت البلدة مترامية الأطراف وكبيرة مثل المدن الموجودة اليوم، فإذا جاء شخص للبيع بعض الأشياء بسيارته ودخل إلى المدينة أو البلد وهي كما ذكرنا متسعة وكبيرة، ولا يرى هذا الداخل الكثير من الناس فهم يذهبون إلى السوق للشراء، فهل يجوز تلقى هذا التاجر والشراء منه أم لا”.
وبالفعل هذا سؤال مهم للغاية فه إذا ما قابل أي أنسان هذا البائع في مكان سواء أما
المسجد
، أو عند محطة أو مكان يستريح فيه أو بدوار فندق، فهل يجوز الشراء منه قبل أن يبلغ السوق أم لا؟
فيقول ابن دقيق: أن المعنى هنا في العلة هو الخوف والخشية من التضييق على الناس والخشية أيضًا على التضييق على من يريد البيع وأجاز لك، وهنا يمكن أن تستنبط من العلة من النص فيخصص بها لقوله عليه السلام: “لا تلقوا الجلب “.
فقد يأتي أناس من مدينة أخرى بجلب أشياء لا يريدون بيعها في الأسواق ويرد أن يقوم ببيعها في أي مكان، فأن هذا لا ينهى عنه، حيث أنه لم يقصد منذ البداية عرضها بالسوق ويريد بيعها كما تيسر هنا لا بأس في ذلك.