ما هي مراتب القدر
يعد الإيمان بالقدر من الأمور المهمة التي لها مكانة عالية في الإسلام ، فهو ركن من أركان الإيمان الستة ، وهو أمر واجب لصدق الاعتماد على الله عز وجل وتفويض كافة الأمور إليه ، كما أنه يدخل الطمأنينة على قلب الإنسان في حياته كلها .
تعريف القدر
القدر في القرآن
كلمة قدر في اللغة تأتي بمعنى القضاء والحكم ، وقد وردت في مواضع كثيرة بالقرآن الكريم ، ففي قوله تعالى بسورة القدر : ” إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ” أي ان
ليلة القدر
هي ليلة الحكم ، كذلك جاءت كلمة القدر بمعنى العلم كما في قوله تعالى بسورة النمل : ” فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ ” أي علمنا أنها لمن الغابرين .
كذلك أتت كلمة القدر بمعنى جعل كما في قوله تعالى بسورة القمر : ” فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ” بمعنى أن الأمر قد علم في سابق علم الله تعالى ومر آنفًا ، كما جاءت بمعنى الموعد في قوله تعالى بسورة طه : ” ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ” .
أتت كلمة القدر أيضًا بمعنى القدر والطاقة في قوله تعالى ب
سورة البقرة
: ” عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ” أي طاقته ، كما أنها جاءت بمعنى التضييق كما في قوله تعالى بسورة الرعد : ” اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ” .
وقد جاءت كلمة القدر بمعنى المقدار والقسمة كما في قوله تعالى بسورة القمر : ” إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ” ، كذلك أتت بمعنى الحتم كما في قوله تعالى بسورة طه : ” ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ” بمعنى على أمر حتمي الوقوع .
القدر في السنة
ورد ذكر القدر في العديد من
الأحاديث النبوية
، من بينها حديث جبريل المشهور والذي يُظهر أن القدر هو أمر من الله عز وجل لابد من تحققه كما قدره الله تعالى ، وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” إن أول ما خلق الله القلم ، فقال له اكتب فقال : ما أكتب ؟ قال : اكتب القدر . فكتب ما كان وما هو كائن إلى الأبد ” .
وقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير أحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا وكذا ولكن قل قدر الله ما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان ” .
وهناك بعض الأحاديث التي قد يخطئ الناس في فهمها والتي وردت في صحيح مسلم عن القدر منها : عن
أبي هريرة رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احتج آدم وموسى فقال موسى: يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة، فقال له آدم: أنت موسى اصطفاك الله بكلامه، وخط لك التوراة بيده، أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فحَجَّ آدمُ موسى فحج آدمُ موسى فحج آدمُ موسى “
ويفيد الحديث السابق أن ادم قام بالاحتجاج بالقدر على المصيبة وليس على الذنب ، حيث أن هذه المصيبة التي نالت الذرية بسبب خطيئته كانت مقدرة من قبل الله سبحانه وتعالى ، ويتم الاحتجاج بالقدر في المصائب وليس في الذنوب والمعايب .
مراتب القدر
مرتبة العلم
يُقصد بتلك المرتبة الإيمان الجازم بأن الله تعالى يمتلك العلم الأزلي بكل شئ ، فهو يعلم كل كبيرة وصغيرة وكل ما ظهر وبطن سواء فيما يتعلق بأفعالنا أو أقوالنا أو أرزاقنا أو آجالنا ، فعلمه محيط بما سيكون وبالموجود وبالمعدوم وبالممكن وبالمستحيل ، وقد قال الله تعالى في سورة سبأ : ” عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ” .
مرتبة الكتابة
يُقصد بها أن الله تعالى قام بكتابة سابق علمه في
اللوح المحفوظ
الذي سيظل موجود حتى قيام الساعة ، فكل ما قدره الله تعالى لمخلوقاته مكتوبة ومقدرة ، قال الله تعالى في سورة الحديد : ” مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ” .
كذلك روى البخاري في صحيحه من حديث
عمران بن حصين
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض، وكتبه في الذكر كل شيء ” .
مرتبة المشيئة
هذه المرتبة تعني الإيمان بمشيئة الله تعالى سبحانه وتعالى سواء فيما يتعلق بأفعاله وأفعال خلقه ، أو فيما يتعلق بقدرته التي تشمل كل شئ ، فما من شئ في هذا العالم إلا ويحدث بمشيئته الواسعة ، قال الله تعالى في سورة فاطر : ” وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً ” ، كذلك فقد قال في سورة الكهف : ” وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً* إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ” .
مرتبة الخلق
تقتضي هذه المرتبة الإيمان بأن الله تعالى هو الذي قام بخلق كل شئ في هذا الكون كبير أو صغير ، ظاهر أو باطن ، فخلقه يشمل جميع المخلوقات وصفاتها وما يصدر عنها من أفعال وأقوال ، ومن الأدلة على هذه المرتبة قول الله تعالى في سورة الزمر : ” اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ” ، وكذلك قوله في سورة الملك : ” الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ” .