سيرة شريف مكة الأمير غالب بن مساعد
هو الشريف غالب بن مساعد بن سعيد بن سعد بن زيد بن محسن بن الحسين بن الحسن بن محمد أبي نمى، ويمتد نسبه إلى
علي بن أبي طالب
رضي الله عنه، ويشتهر بشخصيته القيادية، وشجاعته خاصة في المعارك والحروب، كما كان عالم فقيه، كريم الأخلاق، معروف بشدة كرمه وسخائه.
وقد اكتسب كل تلك الصفات من والده، الشريف مساعد آل زيد رحمه الله، الذي كان ملازم له في كل الأوقات، وكان يحرص على حضور جميع مجالسه العلمية والمجالس الدينية، كما كان أيضا يشهد على تجهيزاته للمعارك ويشاركه بها، مهما جعله شديد التأثر بشخصية والده متطبع بطباعه، وقد كان حافظ للقرآن وللسنة النبوية الشريفة، وكان يدرس في حلقات المسجد الحرام، وله من الأبناء تسعة ، خمسة من الذكور وأربعة إناث.
كما وصفه العباسي وهو رجل اسبانى اسمه دومنيغو باديا DOMINGO BADIA Y LEBLICH وقد انتحل هذا الرجل اسمًا ونسبًا ودينًا عربيًا وجاء من قادش عن طريق الجزائر إلى الحجاز، وأطلق على نفسه اسم على بك العباسي الامير المكرم، والعالم المحترم، والحاج الورع الموقر، رسول نابوليون بونابرت الى البلاد العربيه. وكان قد جاء حاجاً، فنزل جدة، وسار الى مكه محرمًا، فدخلها فى(23) كانون الثانى من عام1807م/14 ذى القعده من عام1221هـ.
ولاية الامير غالب بن مساعد
في عام 1787م/1202هـ تولى غالب بن مساعد إمارة
مكة المكرمة
، وهذا بعد تنازل أخيه الشريف أخوه الشريف عبد المعين بن مساعد، الذي كان يتولى الإمارة قبله إلا انه تنازل عن الشرافة عن طيب نفس وخاطر، ولقد تم وصول الخلعة العثمانية إلي مكة المكرمة فى موكب عظيم، في 29 ذى القعدة من عام (1202هـ) للشريف غالب بن مساعد، الذى ارتداها بالعز، بعد قراءه الفرمان العثماني، ثم قام بعمل الاجراءات المعتاده لاصحاب المناصب والرتب، ومن ثم أمر بالزينه، لمده ثلاثه أيام احتفالًا بالشرافة.
وقد كان حدود إمارته، من شمال الجزيرة العربية وحتى جنوبها، وقد كان يتميز بشخصيته الدبلوماسية ولذلك فقد تمكن أثناء توليه الإمارة، من إنشاء علاقات مع كل من دولة بريطانيا، وتركيا، وفرنسا، واليمن، ومصر، والمغرب.
تأثير علاقاته بالدول الخارجية على حركة التجارة
وقد نشأ من تلك العلاقات نشاط وسير الحركة التجارية بمدينة الحجاز، خاصة أن مدينة الحجاز تمتاز بموقع استراتيجي رائع، والذي ساعد على نجاح حركة التجارة أن الشريف غالب، كان لديه مراكب كبرى يستخدمهم بتجارة البن والقمح، حيث أنه كان تاجر في الأصل، وكانت سفنه تلك، مصدر خير كبير على مدينة الحجاز، حيث أنه كان هناك اثنان من تلك السفن، تذهبان في كل عام إلى دولة الهند، ثم تعودان وقد تم تحميلهم بالبضائع الهائلة، التي كان يتم بيعها للتجار الموجودين بمدينة الحجاز، كما أن عصره كان يتميز بالازدهار والنماء، كما أنه هو أول من قام بتنظيم أمور منطقة الحجاز بالداخل والخارج.
حرصه على تطوير التعليم
كان الشريف غالب حريصا على نمو كل من العلم والفكر لدى الأجيال الجديدة بمنطقة الحجاز، ولذلك قام ببناء العديد من المدارس بمكة المكرمة، ولكي لا يتمكن أحد من التصرف بتلك المدارس، سواء بالبيع أو خلافه، قام الشريف غالب، باختيار أكبر ثلاث مدارس ثم قام بوقفها، ومن أشهر تلك المدارس مدرسة الشريف الغالب، وتوجد تلك المدرسة أمام السوق الصغير القريب من الحرم، ومن أعماله الجليلة أيضا في خدمة الطلبة والعلم، قيامه بعمل وقف لأبناء الحجاز الدارسين، الذين يريدون السفر إلى مصر من أجل إكمال دراستهم هناك، حتى يستطيعوا أثناء دراستهم أخذ كل ما يحتاجون إليه من هذا الوقف، ومن بين أعماله أيضا بنائه لمكتبة الشريف غالب، وهي مكتبة ضخمة، تم تسليم محتوياتها فيما بعد إلى مكتبة الحرم، وقد تم هذا ببداية العهد السعودي.
أعماله العمرانية
وقد اتسع العمران في عصر الشريف غالب، فاشترى قلعة أجياد من ورثة أخيه، وقام باستكمالها، وعاش بها هو وعائلته، كما قام ببناء قصور أجياد القديمة، وقام ببناء قصر وقلعة المخصب التي توجد بالطائف، وبنى أيضا قلعة جبل هندي، وقصر البياضية، ويطلق على هذا القصر اليوم اسم قصر السقاف، كما قام بترميم قصر المبعوث الذي يوجد بسوق عكاز حتى يقوم بإحياء ذكراه، وقام أيضا ببناء بيوت القرارة حول الحرم المكي.
أوقافه العامة والخاصة
كان الشريف غالب دائم التفكير في الفقراء والمحتاجين وطلاب العلم، وأيضا ذريته من بعده، ولذلك فهو لم يوقف فقط الأملاك العامة ولكنه قام أيضا بعمل وقف، لجميع ما يملك من مال وأملاك أخرى كالأراضي الزراعية، والعقارات، حتى يتم توزيع دخل هذا الوقف على ذريته بالكامل بالتساوي دون تفرقه بين رجل أو امرأة، وحتى يضمن للجميع بلا استثناء حياة كريمة، خاليه من العوز، أما الأوقاف العامة فقد كانت من حق الفقراء وطلاب العلم.
وفاة الشريف غالب
كُلف
محمد علي باشا
من قبل الدولة العثمانية بأن يقوم بإنهاء الدولة السعودية الأولى، وهذا بعد أن قام محمد على بتحريض الدولة العثمانية على الشريف غالب عن طريق نقله لهم كلام غير صحيح عنه، ولذلك فبمجرد وصوله إلى أرض الحجاز، تأمر مع ابنه طوسون باشا، حتى يتم القبض على الشريف غالب، وبالفعل تم ذلك وتم نفي الشريف غالب وبعض عائلته إلى جزيرة سلانيك، وكان هذا في عام 1229م، وبعدها تم قتله بالسم هو وأسرته وحاشيته، وتوفى بتلك الجزيرة في عام 1817م، ونجا ابنه الشريف عبد المطلب وتولى الإمارة بمكة المكرمة لمدة ثلاثة فترات.