تفسير الآية ” يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون “

قال الله تعالى {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ } [

سورة الدخان

: 16]


تفسير الآية الطبري

القول في تأويل قوله تعالى:

{ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ }

يقول تعالى ذكره: إنكم أيها المشركون إن كشفت عنكم العذاب النازل بكم ، والضر الحال بكم ، ثم عدتم في كفركم، ونقضتم عهدكم الذي عاهدتم ربكم، انتقمت منكم يوم أبطش بكم بطشتي الكبرى في عاجل الدنيا، فأهلككم وكشف الله عنهم، فعادوا ، فبطش بهم جل ثناؤه بطشته الكبرى في الدنيا، فأهلكهم قتلًا بالسيف، وقد اختلف أهل التأويل في البطشة الكبرى، فقال بعضهم: هي بطشة الله بمشركي قريش

يوم بدر

، وعن عامر عن ابن مسعود رضي الله عنهما أنه قال:

{ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى }

يوم بدر.


تفسير الآية القرطبي

قوله تعالى:

{ يَوْمَ }

محمول على ما دل عليه

{


مُنْتَقِمُونَ }

؛ أي ننتقم منهم يوم نبطش. وأبعده بعض النحويين بسبب أن ما بعد

{ إِنَّ }

لا يفسر ما قبلها. ويجوز أن يكون المعنى فإنهم عائدون، فإذا عدتم أنتقم منكم يوم نبطش البطشة الكبرى. ولهذا وصل هذا ب

قصة فرعون

، فإنهم وعدوا موسى الإيمان إن كشف عنهم العذاب، ثم لم يؤمنوا حتى غرقوا.

وقيل: { إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان:15] كلام تام. ثم ابتدأ

{ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ }

أي ننتقم من جميع الكفار. وقيل: المعنى وارتقب الدخان وارتقب يوم نبطش، فحذف واو العطف؛ كما تقول : اتق النار اتق العذاب. و

{ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى }

في قول ابن مسعود: يوم بدر. وهو قول ابن عباس و

أبي بن كعب

ومجاهد والضحاك. وقيل : عذاب جهنم يوم القيامة؛ قال الحسن وعكرمة وابن عباس أيضا، واختاره الزجاج. وقيل : دخان يقع في الدنيا، أو جوع أو قحط يقع قبل يوم القيامة.


الماوردي :

ويحتمل أنها قيام الساعة؛ لأنها خاتمة بطشاته في الدنيا. ويقال: انتقم الله منه؛ أي عاقبه. والاسم منه النقمة والجمع النقمات. وقيل بالفرق بين النقمة والعقوبة؛ فالعقوبة بعد المعصية لأنها من العاقبة. والنقمة قد تكون قبلها؛ قال

ابن عباس

. وقيل: العقوبة ما تقدرت والانتقام غير مقدر.


تفسير الآية ابن كثير

وقوله عزَّ وجلَّ:

{ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ }

: فسر ذلك

ابن مسعود

رضي اللّه عنه بيوم بدر، وروي أيضاً عن ابن عباس رضي اللّه عنهما وهو محتمل، والظاهر أن ذلك يوم القيامة وإن كان يوم بدر يوم بطشة أيضاً، روى عكرمة عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال، قال ابن مسعود رضي اللّه عنه

{ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى }

يوم بدر، وأنا أقول هي يوم القيامة. وهذا إسناد صحيح عن ابن عباس، واللّه أعلم.


{


إِنَّا مُنْتَقِمُونَ }

:  البطش هو الأخْذ بقوة والضرب القوية التي تستوعب كلَّ جوارح الجسم ولا تبالي على أيِّ عضو وقعتْ والانتقام يدل على التكافؤ، فالبطشة ليستْ اعتداءً منا، بل جزاءَ ما قدَّمتم من تكذيب وإيذاء لرسول الله، فالبطشة إذن جزاءٌ من جنس العمل، ولولا هذه البطشة لم تتحقق عدالة السماء بين المؤمنين والكافرين، ولكانتْ مساواة بين المؤمنين الذين تحمَّلوا الإيذاء والعَنت والاضطهاد، وبين الكافرين الظالمين المعتدين. لذا كان لا بدَّ أنْ تحدثَ هذه البطشةُ بالكافرين ليرى المؤمنون ثمرةَ إيمانهم، وكيف أن الله نجَّاهم بالإيمان فيفرحون، ويرى الكافرون ثمرةَ كفرهم وعنادهم فيتحسَّرون ويندمون ويتألمون.