تفسير الآية ” ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك “
قال الله تعالى { وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } [سورة الزخرف: 77-78]
تفسير الآية القرطبي
قوله تعالى:
{ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ }
وهو خازن
جهنم
، خلقه لغضبه؛ إذا زجر النار زجرة أكل بعضها بعضًا، وفي صحيح البخاري عنه صفوان بن يعلى عن أبيه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر
{ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ }
بإثبات الكاف. وقال محمد بن كعب القرظي : بلغني – أو ذكر لي – أن أهل النار استغاثوا بالخزنة فقال الله تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ } [سورة غافر: 49] فسألوا يوما واحدا يخفف عنهم فيه العذاب.
فردت عليهم {قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50)} [سورة غافر: 50] قال: فلما يئسوا مما عند الخزنة نادوا مالكا؛ وهو عليهم وله مجلس في وسطها، وجسور تمر عليها ملائكة العذاب؛ فهو يرى أقصاها كما يرى أدناها فقالوا:
{ يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ }
سألوا الموت، قال: فسكت عنهم لا يجيبهم ثمانين سنة، قال: والسنة ستون وثلاثمائة يوم، والشهر ثلاثون يوما، واليوم كألف سنة مما تعدون.
ثم لحظ إليهم بعد الثمانين فقال:
{ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ }
وذكر الحديث؛ ذكره ابن المبارك. وفي حديث
أبي الدرداء
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « فيقولون ادعوا مالكا فيقولون يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون » قال الأعمش: نبئت أن بين دعائهم وبين إجابة مالك إياهم ألف عام؛ أخرجه الترمذي. وقال
ابن عباس
رضي الله عنهما: يقولون ذلك فلا يجيبهم ألف سنة، ثم يقول إنكم ماكثون. وقال مجاهد ونوف البكالي: بين ندائهم وإجابته إياهم مائة سنة. وقال عبدالله بن عمرو : أربعون سنة؛ ذكره ابن المبارك.
{ لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ }
يحتمل أن يكون هذا من قول مالك لهم؛ أي إنكم ماكثون في النار لأنا جئناكم في الدنيا بالحق فلم تقبلوا. ويحتمل أن يكون من كلام الله لهم اليوم؛ أي بينا لكم الأدلة وأرسلنا إليكم الرسل.
{ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ }
قال ابن عباس:
{ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ }
أي ولكن كلكم. وقيل : أراد بالكثرة الرؤساء والقادة منهم؛ وأما الأتباع فما كان لهم أثر
{ لِلْحَقِّ }
أي للإسلام ودين الله
{
كَارِهُونَ }
تفسير الآية ابن كثير
{ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ }
وهو خازن النار،
{
لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ }
أي يقبض أرواحنا فيريحنا مما نحن فيه، فإنهم كما قال تعالى: { لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها} ، وقال عزَّ وجلَّ: { {ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا} [الأعلى:13]، فلما سألوا أن يموتوا أجابهم مالك
{ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ }
قال ابن عباس: مكث ألف سنة، ثم قال
{
إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ }
أي لا خروج لكم منها ولا محيد لكم عنها، ثم ذكر سبب شقوتهم وهو مخالفتهم للحق ومعاندتهم له فقال:
{ لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ }
أي بيناه لكم ووضحناه وفسرناه،
{ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ }
أي ولكن كانت سجاياكم لا تقبله ولا تقبل عليه، وإنما تنقاد للباطل وتعظمه، وتصد عن الحق وتأباه، فعودوا على أنفسكم بالملامة، واندموا حيث لا تنفعكم الندامة.