قصة سباق العضباء والقعود
كان الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى في أوقات المرح والترويح عن النفس، يحرص بشدة على أن يقدم قليل من النصح والموعظة لصحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، فحياتهم الشاغرة بالإنجازات والانتصارات والسعي وراء رفع راية الإسلام، كان فيها متسع لقضاء أوقات من الترفيه والتسلية المرتبطة بضوابط الإسلام ومعاييره، ويتضح في قصتنا تلك، مدى حرص النبي صلى الله عليه وسلم، أن يجعل من كل موقف يمر به هو وصحابته، درس تعليمي يقدم لهم لون من ألوان الطاعة و
التقرب إلى الله
عز وجل.
العضباء ناقة رسول الله
كان من بين النوق التي يمتلكها الرسول الله صلى الله عليه وسلم، ناقة تدعى العضباء، وكانت العضباء تعرف بمدى سرعتها الفائقة، ولذلك كانت كلما دخل بها الرسول صلى الله عليه وسلم في أي سباق من السباقات، يكون النصر حليفه، حتى اشتهرت بين الجميع بعدم قدرة أي ناقة أو جمل على التقدم عليها، وقد ظل الأمر على ذلك، إلى أن حضر رجل أعرابي، إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، طالبا منه عمل سباق يجمع بين جمله الصغير وبين ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، العضباء.
وبالفعل تم إجراء السباق، على الرغم من استهزاء الجميع بجمل هذا الرجل الأعرابي، بسبب صغر سنه، وثقتهم الشديدة في ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي لم يتفوق عليها حيوان من قبل، فكيف لهذا الجمل الضعيف أن يتمكن من ذلك، وما أن تم الاتفاق على إجراء هذا السباق، حتى انتشر الخبر بين الجميع كالبرق، فانطلق كل الصحابة إلى ميدان السباق، لمشاهدة هذا الحدث الفريد من نوعه، رغم تأكدهم من النتيجة، وبدأ السباق والجميع متأهبون.
العضباء والقعود
انطلقت العضباء وانطلق معها القعود، وهو الجمل الصغير الذي يملكه الأعرابي، وبدأ المحتشدون في المكان بالتشجيع والتهليل، وما أن بدأ السباق حتى اندهش الجميع مما رأوه، فلقد فاجئهم القعود بسرعته التي تسبق الريح، فحجمه الصغير لا يوحي بذلك، ورغم سرعة العضباء التي كانت تخطف الأبصار، إلا أن القعود قد استطاع التقدم عليها وسبقها، بما يملكه من حيوية وطاقة نابعة من صغر سنه، وكانت هي المرة الأولى التي يستطيع فيها حيوان التقدم على العضباء.
تملك الحاضرون الحزن الشديد والشعور بخيبة الأمل والهزيمة، فهم كانوا على ثقة بالغة من النصر، وما حدث كان بمثابة فاجعة بالنسبة لهم، وحزنهم هذا كان نابع من شدة حبهم لرسولهم صلوات الله وسلامه عليه، وحرصهم على ألا يتفوق عليه أحد في أي أمر من الأمور، حتى وإن كان هذا الأمر صغير.
الحكمة والعبرة من سباق العضباء والقعود
عندما شاهد الرسول وجوه الصحابة التي تملكها
الحزن
والأسف على ما حدث، وقف أمامهم رافض لموقفهم هذا، قائلا لهم صلوات الله وسلامه عليه: «إن حقا على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه»، موضحا لهم بذلك أن النصر والغلبة منه سبحانه، وهو وحده من يقرر من ينتصر ومن لا ينتصر، وأن علينا تقبل قضائه في جميع الأحوال والظروف، وأن الاعتراض على حكمه وقضائه ليس من الإيمان في شيء، فإن المؤمن الحق هو من يرضى بحكمه وقضاءه مهما كان هذا القضاء، كما يوضح أيضا أن ليس هناك شيء دائم في هذه الحياة، فمهما نال الإنسان من رفعة فيها ومهما نال من مناصب، فلابد أن يأتي يوم ويزول منه كل هذا، لأن الحياة هي بذاتها دار زوال، وحالها لا يدوم على حال.