تفسير قوله الله تعالى ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل
قال تعالى في
سورة البقرة
في الاية رقم مائة ثمانية وثمانون (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)، وفيما يلى تفسير الآية الكريمة .
تفسير “ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل”
فسر
الطبري
قوله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، حيث قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : ولا يأكل بعضُكم مالَ بعض بالباطل، فجعل تعالى ذكره بذلك آكلَ مال أخيه بالباطل، كالآكل مالَ نَفسه بالباطل.
وفسر قوله تعالى (وتُدلوا بها إلى الحكام) : فتعني وتخاصموا بها أي تتخاصموا بأموالكم وتذهبون بها إلى الحكام للتتخاصموا وانتم على باطل، ويعني بقوله تعالى ” بالإثم ” أي بالحرام الذي قد حرمه الله عليكم، وفسر قوله ” وأنتم تعلمون ” : أي وأنتم تتعمدون أكل تلك الاموال الحرام عن قصد منكم ومعرفة .
وقد قيل عن ابن عباس في قوله تعالى ” ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتُدلوا بها إلى الحكام ” : فهذا في الرجل يكون عليه مال، وليس عليه فيه بيِّنة، فيجحد المال، فيخاصمهم فيه إلى الحكام وهو يعرف أنّ الحق عليه، وهو يعلم أنه آثم : أي آكل مال حرام، وقيل عن مجاهد في قوله تعالى ” وتُدلوا بها إلى الحكام ” : لا تخاصم وأنت ظالم.
قيل عن قتادة في قوله تعالى ” ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام ” : من مشى مع خصمه وهو له ظالم، فهو آثم حتى يرجع إلى الحق. واعلم يَا ابن آدم أن قَضاء القاضي لا يُحلّ لك حراما ولا يُحقّ لك باطلا وإنما يقضي القاضي بنحو ما يرَى ويشهدُ به الشهود، والقاضي بَشر يخطئ ويصيب، واعلموا أنه من قد قُضي له بالباطل، فإن خصومته لم تنقض حتّى يجمع الله بينهما يوم القيامة، فيقضي على المبُطل للمحق، بأجود مما قُضي به للمبطل على المحقّ في الدنيا .
قيل عن قتادة في قوله تعالى ” وتدلوا بها إلى الحكام ” : لا تدلِ بمال أخيك إلى الحاكم وأنتَ تعلم أنك ظالم، فإن قضاءه لا يُحلّ لك شيئا كان حراما عليك، وقيل عن السدي في قوله تعالى” ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ” : يظلم الرجل منكم صاحبَه، ثم يخاصمه ليقطع ماله وهو يعلم أنه ظالم، فذلك قوله: ” وتدلوا بها إلى الحكام “.
قيل عن
عكرمة
في قوله تعالى ” ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ” : هو الرجل يشتري السِّلعة فيردُّها ويردُّ معها دَرَاهم، وقال ابن زيد في قوله تعالى ” ولا تأكلوا أموالكم بَينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام ” : يكون أجدل منه وأعرَف بالحجة، فيخاصمه في ماله بالباطل ليأكل ماله بالباطل، وقرأ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ : هذا القِمار الذي كان يَعمل به أهل الجاهلية.
و قوله تعالى ” وتدلوا بها إلى الحكام “، ولها وَجهين من الإعراب فقوله تعالى ” وتُدْلوا ” جزما عطفا على قوله ” ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ” وتعني ألا تدلوا بها إلى الحكام، وتم ذُكر ذلك في قراءة أُبَيٍّ بتكرير ” وَلا تدلوا بها إلى الحكام “.
والوجه الآخر منهما هو النصب على الصرْف، وتعني أن الله ينهي المسلمين عن أكل الاموال فيما بينهم بالباطل وألا يتدلون بها إلى الحكام.