تفسير الآية ” أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين “

قال الله تعالى { أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } [سورة الزخرف: 18]


تفسير الطبري

القول في تأويل قوله تعالى:

{ أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ }

يقول تعالى ذكره: أومن ينبت في الحلية ويزين بها

{ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ }

يقول: وهو في مخاصمة من خاصمه عند الخصام غير مبين، ومن خصمه ببرهان وحجة، لعجزه وضعفه، جعلتموه جزء الله من خلقه وزعمتم أنه نصيبه منهم، وفي الكلام متروك استغنى بدلالة ما ذكر منه وهو ما ذكرت، واختلف أهل التأويل في المعني فقال بعضهم: عني بذلك الجواري والنساء، عن

ابن عباس

قال: يعني المرأة.

وعن مجاهد قال: رخص للنساء في الحرير والذهب، وقرأ

{ أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ }

قال: يعني المرأة، وعن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: الجواري جعلتموهن للرحمن ولدًا، كيف تحكمون. وعن قتادة قال: الجواري يسفههن بذلك، غير مبين بضعفهن، وعن معمر عن قتادة

{ أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ }

يقول: جعلوا له البنات وهم إذا بشر أحدهم بهن ظل وجهه مسودًا وهو كظيم. قال: وأما قوله:

{


وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ }

يقول: كلما تتكلم امرأة فتريد أن تتكلم بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها.

وعن السدي

{ أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ }

قال: النساء. وقال آخرون: عنى بذلك أوثانهم التي كانوا يعبدونها من دون الله. وقال ابن زيد في قوله:

{ أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ }

قال: هذه تماثيلهم التي يضربونها من فضة وذهب يعبدونها هم الذين أنشئوها، ضربوها من تلك الحلية، ثم عبدوها

{


وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ }

قال: لا يتكلم، وقرأ { فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ } [النحل:4].

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عنى بذلك الجواري والنساء، لأن ذلك عقيب خبر الله عن إضافة المشركين إليه ما يكرهونه لأنفسهم من البنات، وقلة معرفتهم بحقه، وتحليتهم إياه من الصفات والبخل، وهو خالقهم ومالكهم ورازقهم، والمنعم عليهم النعم التي عددها في أول هذه السورة ما لا يرضونه لأنفسهم، فاتباع ذلك من الكلام ما كان نظيرًا له أشبه وأولى من اتباعه ما لم يجر له ذكر.


تفسير القرطبي

قال القرطبي فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى:

{ أَوَمَنْ يُنَشَّأُ }

أي يربى ويشب. والنشوء: التربية؛ والثانية: قوله تعالى:

{ فِي الْحِلْيَةِ }

أي في الزينة. قال ابن عباس وغيره : هن الجواري زيهن غير زي الرجال. قال مجاهد: رخص للنساء في الذهب والحرير؛ وقرأ هذه الآية. قال الكيا: فيه دلالة على إباحة الحلي للنساء، والإجماع منعقد عليه والأخبار فيه لا تحصى. قلت: روي عن أبي هريرة أنه كان يقول لابنته: يا بنية، إياك والتحلي بالذهب ! فإني أخاف عليك اللهب.

قوله تعالى:

{


وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ }

أي في المجادلة والإدلاء بالحجة. قال قتادة، ما تكلمت امرأة ولها حجة إلا جعلتها على نفسها. وفي مصحف عبدالله {

وَهُوَ فِي الكَلاَم


غَيْرُ مُبِينٍ

} ومعنى الآية: أيضاف إلى الله من هذا وصفه! أي لا يجوز ذلك. وقي : المنشأ في الحلية أصنامهم التي صاغوها من ذهب وفضة وحلوها؛ قال ابن زيد والضحاك. ويكون معنى

{


وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ }

على هذا القول: أي ساكت عن الجواب.