تفسير الآية ” فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله “
{ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } [ سورة الزمر : 22 ]
تفسير الآية :
القول في تأويل قوله تعالى :
{ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ }
يقول تعالى ذكره : أفمن فسح الله قلبه لمعرفته، والإقرار بوحدانيته، والإذعان لربوبيته، والخضوع لطاعته
{ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ }
يقول: فهو على بصيرة مما هو عليه ويقين، بتنوير الحق في قلبه، فهو لذلك لأمر الله متبع، وعما نهاه عنه منته فيما يرضيه، كمن أقسى الله قلبه، وأخلاه من ذكره، وضيقه عن استماع الحق، واتباع الهدى، والعمل بالصواب ؟ وترك ذكر الذي أقسى الله قلبه، وجواب الاستفهام اجتزاء بمعرفة السامعين المراد من الكلام.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، ثنا سعيد، عن قتادة في قوله:
{ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ }
يعني: كتاب الله، هو المؤمن به يأخذ، وإليه ينتهي. وعن السدي قوله:
{ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ }
قال: وسع صدره للإسلام للفرح به والطمأنينة إليه؛ فعلى هذا لا يجوز أن يكون هذا الشرح إلا بعد الإسلام؛ وعلى الوجه الأول يجوز أن يكون الشرح قبل الإسلام، والنور هو الهدى.
عن ابن أبي زائدة عن ابن جريج، عن مجاهد
{ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ }
قال: ليس المنشرح صدره مثل القاسي قلبه، وذلك كقوله عزَّ وجلَّ: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة الأنعام: 122].
قوله:
{ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ }
يقول تعالى ذكره : فويل للذين جفت قلوبهم ونأت عن ذكر الله وأعرضت، يعني عن القران الذي أنزله تعالى ذكره، مذكرا به عباده، فلم يؤمن به، ولم يصدق بما فيه، قال المبرد: يقال قسى القلب إذا صلب، وكذلك عتى وعسى مقاربةً لها، وقلب قاس أي صلب لا يرق ولا يلين، والمراد بمن شرح الله صدره ها هنا فيما ذكر المفسرون: علي وحمزة رضي الله عنهما، وحكى النقاش أنه
عمر بن الخطاب
رضي الله عنه، وقال مقاتل: عمار بن ياسر. وعنه أيضا والكلبي: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآية عامة فيمن شرح الله صدوره بخلق الإيمان فيه.
وروى مرة عن ابن مسعود قال: قلنا يا رسول الله قوله تعالى:
{ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ }
كيف انشرح صدره؟ قال: « إذا دخل النور القلب انشرح وانفتح » قلنا: يا رسول الله وما علامة ذلك؟ قال : « الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله » [ وخرجه الترمذي الحكيم في نوادر الأصول ].
ومن حديث
ابن عمر
: أن رجلًا قال يا رسول الله أي المؤمنين أكيس؟ قال : « أكثرهم للموت ذكرًا وأحسنهم له استعدادًا، وإذا دخل النور في القلب انفسح واستوسع » قالوا : فما آية ذلك يا نبي الله؟ قال : « الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت » فذكر صلى الله عليه وسلم خصالا ثلاثة، ولا شك أن من كانت فيه هذه الخصال فهو الكامل الإيمان، فإن الإنابة إنما هي أعمال البر؛ لأن دار الخلود إنما وضعت جزاء لأعمال البر.
وقيل:
{
مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ }
والمعنى: عن ذكر الله، فوضعت ” من ” مكان ” عن ” ، كما يقال في الكلام: أتخمت من طعام أكلته، وعن طعام أكلته بمعنى واحد، وقوله:
{ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }
يقول تعالى ذكره: هؤلاء القاسية قلوبهم من ذكر الله في ضلال مبين، لمن تأمله وتدبره بفهم أنه في ضلال عن الحق جائر.