تفسير ” اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم “

{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ} [سورة يس: 65-67]


تفسير الآيات ابن كثير :



{ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }

هذا حال الكفار والمنافقين

يوم القيامة

حين ينكرون ما اقترفوه في الدنيا ويحلفون ما فعلوه، فيختم الله على أفواههم ويستنطق جوارحهم بما عملت، عن أنَس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: « أتدرون مم أضحك؟ » قلنا: الله ورسوله أعلم، قال صلى الله عليه وسلم: « من مجادلة العبد ربه يوم القيامة، يقول: رب ألم تجرني من الظلم؟ فيقول: بلى، فيقول: لا أجيز عليَّ إلا شاهداً من نفسي، فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً، وبالكرام الكاتبين شهوداً، فيختم على فيه، ويقال لأركانه: انطقي، فتنطق بعمله، ثم يخلى بينه وبين الكلام، فيقول: بعداً لكن وسحقاً، فعنكن كنت أناضل » [ أخرجه ابن أبي حاتم ورواه مسلم والنسائي بنحوه ].

وعن

أبي هريرة

رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث القيامة الطويل قال فيه: « ثم يلقى الثالث فيقول: ما أنت؟ فيقول: أنا عبدك آمنت بك وبنبيك وبكتابك وصمت وصلّيت وتصدقت، ويثني بخير ما استطاع – قال – فيقال له ألا نبعث عليك شاهدنا؟ – قال: فيفكر في نفسه من الذي يشهد عليه، فيختم على فيه، ويقال: لفخذه انطقي – قال – فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بما كان يعمل، وذلك المنافق، وذلك ليعذر من نفسه، وذلك الذي يسخط الله تعالى عليه » [أخرجه مسلم وأبو داود عن أبي هريرة بطوله].

وروى ابن جرير عن

أبي موسى الأشعري

رضي الله عنه قال: يدعى المؤمن للحساب يوم القيامة، فيعرض عليه ربه عمله فيما بينه وبينه فيعترف فيقول: نعم أي رب عملت عملت عملت، قال: فيغفر الله تعالى له ذنوبه ويستره منه، قال: فما على الأرض خليقة ترى من تلك الذنوب شيئاً، وتبدو حسناته فود الناس كلهم يرونها، ويدعى الكافر والمنافق للحساب فيعرض عليه ربه عمله فيجحد، ويقول: أي رب وعزتك، لقد كتب عليَّ هذا الملك ما لم أعمل، فيقول له الملك: أما عملت كذا في يوم كذا في مكان كذا؟ فيقول: لا وعزتك أي رب ما عملته، فإذا فعل ذلك ختم الله تعالى على فيه، قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: فإني أحسب أول ما ينطق منه الفخذ اليمنى، ثم تلا:

{ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }

[ أخرجه ابن جرير وهو حديث موقوف على أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ].

وقوله تبارك وتعالى:

{ وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ }

، قال

ابن عباس

في تفسيرها يقول: ولو نشاء لأضللناهم عن الهدى فكيف يهتدون؟ وقال مرة: أعميناهم، وقال الحسن البصري: لو شاء الله لطمس على أعينهم، فجعلهم عمياً يترددون، وقال السدي: ولو نشاء أعمينا أبصارهم.

وقال مجاهد وقتادة والسدي:

{ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ }

يعني الطريق، وقال ابن زيد يعني بالصراط ههنا الحق فأنى يبصرون وقد طمسنا على أعينهم؟ وقال ابن عباس

{


فَأَنَّى يُبْصِرُونَ }

لا يبصرون الحق، وقوله عزَّ وجلَّ:

{ وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ }

قال ابن عباس: أهلكناهم، وقال السدي: يعني لغيَّرنا خلقهم، وقال أبو صالح: لجعلناهم حجارة، وقال الحسن البصري وقتادة: لأقعدهم على أرجلهم، ولهذا قال تبارك وتعالى:

{ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا }

أي إلى الأمام

{ وَلَا يَرْجِعُونَ}

إلى وراء، بل يلزمون حالاً واحداً لا يتقدمون ولا يتأخرون.