تفسير قوله الله ” من اسس بنيانه على شفا جرف هار “
قال تعالى في
سورة التوبة
في الآية مائة وتسعة (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ على تقوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ على شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، فيما يلى تفسير الآية.
تفسير قوله الله ” اسس بنيانه على شفا جرف هار ” :
– تفسير الطبري :
فسر
الطبري
قوله تعالى (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ) حيث اختلف الكثير في قراءة الآية الكريمة، وقد قال أبو جعفر : اختلفت القراء في قراءة قوله : (أفمن أسس بنيانه)، فقرأ ذلك بعض قرأه أهل المدينة : (أَفَمَنْ أُسِّسَ بُنْيَانُهُ عَلَى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمَّنْ أُسِّسَ بُنْيَانُهُ)، على وجه ما لم يسمَّ فاعله في الحرفين كليهما، وأهل الحجاز والعراق قرأوا الآية : ” أَفَمَنْ أُسِّس بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أُسِّس بُنْيَانَهُ “، حيث تم وصف ” من ” بأنه الفاعل الذي أسس بنيانه، وقال أبو جعفر: وهما قراءتان متفقتا المعنى.
وقد قال أبو جعفر في تفسير الآية الكريمة : (أيُّ هؤلاء الذين بنوا المساجد خير، الذين ابتدأوا بناء مسجدهم على اتقاء الله، بطاعتهم في بنائه، وأداء فرائضه ورضًى من الله لبنائهم ما بنوه من ذلك، وفعلهم ما فعلوه : خيرٌ، أم الذين ابتدأوا بناءَ مسجدهم على شفا جُرفٍ هارٍ)، وهار يعني المتهوِّر.
وقد قال أبو جعفر أيضا في هذه الآية : وإنما هذا مَثَلٌ يقول تعالى ذكره : أيّ هذين الفريقين خير؟ وأيّ هذين البناءين أثبت؟ أمَن ابتدأ أساس بنائه على طاعة الله، وعلمٍ منه بأن بناءه لله طاعة، والله به راضٍ, أم من ابتدأه بنفاق وضلال، وعلى غير بصيرة منه بصواب فعله من خطئه, فهو لا يدري متى يتبين له خطأ فعله وعظيم ذنبه، فيهدمه, كما يأتي البناءُ على جرف ركيَّةٍ لا حابس لماء السيول عنها ولغيره من المياه، ثَرِيّةِ التراب متناثرة، لا تُلْبِثه السيول أن تهدمه وتنثره؟
وقيل عن ابن عباس في قوله تعالى (فانهار به) : يعني قواعده في نار جهنم، وقال الضحاك في قوله تعالى (فانهار به) : فخرَّ به، وقيل عن قتادة في الآية الكريمة أنه قال : والله ما تناهَى أنْ وقع في النار، ذكر لنا أنه تحفَّرت بقعة منها، فرُؤي منها الدخان، وقال ابن جريج : بنو عمرو بن عوف استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في بنيانه فأذن لهم، ففرغوا منه يوم الجمعة، فصلوا فيه الجمعة ويوم السبت ويوم الأحد. قال: وانهار يوم الاثني، وكان قد استنظرهم ثلاثًا، السبت والأحد والاثنين (فانهار به في نار جهنم)، مسجد المنافقين انهار فلم يتناهَ دون أن وقع في النار، وذكر لنا أن رجالا حفروا فيه، فأبصروا الدخان يخرج منه.
قيل عن جابر في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا) أنه قال : رأيت المسجد الذي بني ضرارًا يخرج منه الدخان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل عن جابر بن عبد الله أيضا أنه قال : رأيت الدخان يخرج من مسجد الضرار، قال خلف بن ياسين الكوفي : حججت مع أبي في ذلك الزمان فمررنا بالمدينة، فرأيت مسجد القبلتين وفيه قبلة بيت المقدس، فلما كان زمان أبي جعفر، قالوا: يدخل الجاهل فلا يعرف القبلة! فهذا البناءُ الذي ترون، جرى على يَدِ عبد الصمد بن علي، ورأيت مسجد المنافقين الذي ذكره الله في القرآن، وفيه حجر يخرج منه الدخان، وهو اليوم مَزْبَلة.
وقيل في قوله تعالى : (والله لا يهدي القوم الظالمين) : والله لا يوفق للرشاد في أفعاله، من كان بانيًا بناءه في غير حقه وموضعه، ومن كان منافقًا مخالفًا بفعله أمرَ الله وأمرَ رسوله.