تفسير ” والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا “

{ وَالله الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ • مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ  } [ سورة فاطر :  9- 10 ]


تفسير الآيات ابن كثير  :



{ وَالله الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا }

كثيراً ما يستدل تعالى على المعاد بإحيائه الأرض بعد موتها، ينبه عباده أن يعتبروا بهذا على ذلك، فإن الأرض تكون ميتة هامدة لا نبات فيها، فإذا أرسل إليها السحاب تحمل الماء وأنزله عليها، { اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } [الحج:5]، كذلك الأجساد إذا أراد الله تعالى بعثها ونشورها أنزل من تحت العرش مطراً يعم الأرض جميعاً، ونبتت الأجساد في قبورها كما تنبت الحبة في الأرض.

ولهذا جاء في الصحيح: « كل ابن آدم يبلى إلا عجْبَ الذنب، منه خلق ومنه يركب »، ولهذا قال تعالى

{ كَذَلِكَ النُّشُورُ }

وتقدم في الحج حديث أبي رزين، قلت: يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى؟ وما آية ذلك في خلقه؟ قال صلى الله عليه وسلم : « يا أبا رزين أما مررت بوادي قومك ممحلاً ثم مررت به يهتز خضراً » قلت: بلى، قال صلى الله عليه وسلم  : « فكذلك يحيي الله الموتى ».


{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا }

أي من كان يحب أن يكون عزيزاً في الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله تعالى فإنه يحصل له مقصوده، لأن الله تعالى مالك الدنيا والآخرة، وله العزة جميعاً، كما قال تعالى : { أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } [سورة النساء: 139 ، وقال عزَّ وجل: { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ } [المنافقون:8] قال مجاهد من كان يريد العزة (بعبادة الأوثان) فللّه العزة جميعاً. وقال قتادة

{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا }

أي فليتعزز بطاعة الله عزَّ وجلَّ.


{ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ }

يعني الذكر والتلاوة والدعاء؛ روى ابن جرير عن

عبد الله بن مسعود

رضي الله عنه قال: إذا حدثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله تعالى، إن العبد المسلم إذا قال: سبحان الله وبحمده والحمد للّه ولا إله إلا الله والله أكبر تبارك الله، أخذهن ملَك فجعلهن تحت جناحه، ثم صعد بهن إلى السماء فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن، حتى يجيء بهن وجه الله عزَّ وجلَّ، ثم قرأ عبد الله رضي الله عنه : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } وقال كعب الأحبار: إن لسبحان الله، والحمد للّه، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لدويا حول العرش كدوي النحل، يذكرن لصاحبهن، والعمل الصالح في الخزائن.


{ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ }

قال

ابن عباس

: الكلم الطيب ذكر الله تعالى يصعد به إلى الله عزَّ وجلَّ، والعمل الصالح أداء الفريضة، فمن ذكر الله تعالى في أداء فرائضه حمل عمله ذكر الله تعالى يصعد به إلى الله عزَّ وجلَّ، ومن ذكر الله تعالى ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله فكان أولى به، وكذا قال مجاهد : العمل الصالح يرفع الكلام الطيب، وقال إياس بن معاوية : لولا العمل الصالح لم يرفع الكلام، وقال الحسن وقتادة : لا يقبل قول إلا بعمل،


{ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ }

قال مجاهد: هم المراؤون بأعمالهم، يعني يمكرون بالناس، يوهمون أنهم في طاعة الله تعالى وهم بغضاء إلى الله عزَّ وجلَّ يراءون بأعمالهم ولا يذكرون الله إلا قليلاً، وقال ابن أسلم: هم المشركون، والصحيح أنها عامة، والمشركون داخلون بطريق الأولى، ولهذا قال تعالى :

{ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ }

أي يفسد ويبطل، ويظهر زيفهم عن قريب لأولي البصائر والنُّهَى، فإنه ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله تعالى على صفحات وجهه وفلتات لسانه، وما أسر أحد سريرة إلا كساه الله رداءها إن خيراً فخير، وإن شرًا فشر، فالمرائي لا يروج أمره ويستمر إلا على غبي، أما المؤمنون المتفرسون فلا يروج لهم ذلك عليهم بل ينكشف لهم عن قريب، وعالم الغيب لا تخفى عليه خافية.