سبب نزول ” من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه “

{ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا لِيَجْزِيَ الله الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ الله كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا } [سورة الأحزاب :  23-24].


سبب نزول الآية :


عن

أنس بن مالك

رضي الله عنه قال : نرى هذه الآيات نزلت في أنس بن النضر رضي الله عنه

{ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله }

، وروى الإمام أحمد عن ثابت قال : قال أنس عمي ” أنس بن النضر ” رضي الله عنه، لم يشهد مع رسول الله صل الله عليه وسلم يوم بدر فشق عليه، وقال: أول مشهد شهده رسول الله صل الله عليه وسلم غبت عنه، لئن أراني الله تعالى مشهداً فيما بعد مع رسول الله صل الله عليه وسلم ليرين الله عزَّ وجلَّ ما أصنع، قال: فهاب أن يقول غيعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : نرى هذه الآيات نزلت في أنس بن النضر رضي الله عنه

{ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله }

، وروى الإمام أحمد عن ثابت قال : قال أنس عمي ” أنس بن النضر ” رضي الله عنه، لم يشهد مع رسول الله صل الله عليه وسلم يوم بدر فشق عليه، وقال: أول مشهد شهده رسول الله صل الله عليه وسلم غبت عنه، لئن أراني الله تعالى مشهداً فيما بعد مع رسول الله صل الله عليه وسلم ليرين الله عزَّ وجلَّ ما أصنع، قال: فهاب أن يقول غيرها.رها.

فشهد رسول الله صل الله عليه وسلم يوم أُحد، فاستقبل سعد بن معاذ رضي الله عنه، فقال له أنس رضي الله عنه: يا أبا عمرو أين، واهاً لريح

الجنة

إني أجده دون أحد، قال: فقاتلهم حتى قتل رضي الله عنه، قال : فوجد في جسده بضع وثمانون بين ضربة وطعنة ورمية، فقالت أخته عمتي الرُّبيع ابنة النضر: فما عرفت أخي إلا ببنانه، قال: فنزلت هذه الآية { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } قال: فكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه رضي الله عنهم [ أخرجه أحمد ورواه مسلم والترمذي والنسائي عن أنس رضي الله عنه بنحوه ].

وعن

طلحة رضي الله عنه

قال: لما رجع رسول الله صل الله عليه وسلم من أُحد صعد المنبر، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، وعزّى المسلمين بما أصابهم، وأخبرهم بما لهم فيه من الأجر والذخر، ثم قرأ هذه الآية: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ } الآية كلها، فقام إليه رجل من المسلمين فقال : يا رسول الله من هؤلاء؟ فأقبلتُ وعليَّ ثوبان أخضران حضرميان فقال: « أيها السائل هذا منهم » [ أخرجه ابن أبي حاتم ورواه ابن جرير عن موسى بن طلحة ].


تفسير الآيات ابن كثير :


لما ذكر عزَّ وجلَّ عن المنافقين أنهم نقضوا العهد، وصف المؤمنين بأنهم استمروا على العهد والميثاق،

{ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ }

قال بعضهم : أجله، وقال البخاري : عهده، وهو يرجع إلى الأول،

{ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا }

أي وما غيروا عهد الله ولا نقضوه ولا بدلوه. روى البخاري قال مجاهد في قوله تعالى:

{


فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ }

يعني عهده

{ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ }

يوماً فيه القتال فيصدق في اللقاء.

وقال الحسن:

{


فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ }

يعني موته على الصدق والوفاء، ومنهم من ينتظر الموت على مثل ذلك، ومنهم من لم يبدل تبديلاً، وقال بعضهم: نَحْبه نذره، وقوله تعالى:

{


وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا }

أي وما غيروا عهدهم وبدلوا الوفاء بالغدر، بل استمروا على ما عاهدوا الله عليه وما نقضوه كفعل المنافقين الذين { عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ } [الأحزاب:15]، وقوله تعالى:

{ لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ }

أي إنما يختبر عباده بالخوف والزلزال، ليميز الخبيث من الطيب، فيظهر أمر هذا بالفعل وأمر هذا بالفعل، مع أنه تعالى يعلم الشيء قبل كونه، ولكن لا يعذب الخلق بعلمه فيهم، حتى يعملوا بما يعلمه منهم.

كما قال تعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ } [محمد:31]، فهذا علم بالشيء بعد كونه وإن كان العلم السابق حاصلاً به قبل وجوده، وكذا قال الله تعالى: { مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران:179]، ولهذا قال تعالى ههنا:

{ لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ }

أي بصبرهم على ما عاهدوا الله عليه، وقيامهم به ومحافظتهم عليه

{ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ }

وهم الناقضون لعهد الله المخالفون لأوامره، فاستحقوا بذلك عقابه وعذابه، ولما كانت رحمته ورأفته تبارك وتعالى بخلقه هي الغالبة لغضبه قال:

{ إِنَّ الله كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا }.