تفسير الآية ” فخسفنا به وبداره الأرض “

{ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ الله وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ الله يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ الله عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } [ سورة القصص :81-82 ]


تفسير الآيات ابن كثير  :



{ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ }

لما ذكر تعالى اختيال قارون في زينته وفخره على قومه وبغيه عليهم، عقّب ذلك بأنه خسف به وبداره الأرض، كما ثبت في الصحيح عند

البخاري

أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : « بينما رجل يجر إزاره إذ خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة » وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : « بينما رجل ممن كان قبلكم خرج في بردين أخضرين يختال فيهما أمر الله الأرض فأخذته فإنه ليتجلجل فيها إلى يوم القيامة ».

وقد ذكر أن هلاك قارون كان من دعوة

موسى نبي الله

عليه السلام، وقيل : إن قارون لما خرج على قومه في زينته تلك وهو راكب على البغال الشهب وعليه وعلى خدمه ثياب الأرجوان المصبغة، فمر في محفله ذلك على مجلس نبي الله موسى عليه السلام وهو يذكرهم بأيام الله، فلمّا رأى الناس قارون انصرفت وجوههم نحوه ينظرون إلى ما هو فيه، فدعاه موسى عليه السلام وقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: يا موسى أما لئن كنت فضلت عليّ بالنبوة فلقد فضلت عليك بالدنيا، فاستوت بهم الأرض، وعن ابن عباس قال: خسف بهم إلى الأرض السابعة، وقال قتادة: ذكر لنا أنه يخسف بهم كل يوم قامة يتجلجلون فيها إلى يوم القيامة.


{ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ الله وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ }

أي ما أغنى عنه ماله ولا جمعه ولا خدمه وحشمه، ولا دفعوا عنه نقمة الله وعذابه ونكاله، ولا كان هو نفسه منتصراً لنفسه فلا ناصر له من نفسه ولا غيره، وقوله تعالى:

{ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ }

أي الذين لما رأوه في زينته قالوا : { يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [القصص:79] فلما خسف به أصبحوا يقولون

{ وَيْكَأَنَّ الله يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ }

أي ليس المال بدالٍّ على رضا الله عن صاحبه، فإن الله يعطي ويمنع، ويضيق ويوسع، ويخفض ويرفع.

وهذا كما في الحديث المرفوع عن

ابن مسعود

: « إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم أرزاقكم، وإن الله يعطي المال من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب »،

{ لَوْلَا أَنْ مَنَّ الله عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا }

أي لولا لطف الله بنا وإحسانه إلينا لخسف بنا كما خسف به لأنا وددنا أن نكون مثله،

{ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ }

يعنون أنه كان كافراً ولا يفلح الكافرون عند الله لا في الدنيا ولا في الآخرة، وقد اختلف في معنى قوله ههنا

{ وَيْكَأَنَّهُ }

فقال بعضهم : معناه ويلك اعلم أن، ولكن خفف فقيل ويك، ودل فتح أن على حذف اعلم، وهذا القول ضعفه ابن جرير، والظاهر أنه قوي، ولا يشكل على ذلك إلا كتابتها في المصاحف متصلة ويكأن، والكتابة أمر وضعي اصطلاحي والمرجع إلى اللفظ العربي والله أعلم.

وقيل: معناها

{ وَيْكَأَنَّهُ }

أي ألم تر أن، قاله قتادة: وقيل معناها وي كأن ففصلها، وجعل حرف وي للتعجب أو للتنبيه، وكأن بمعنى أظن وأحتسب. قال ابن جرير: وأقوى الأقوال في هذا قول قتادة إنها بمعنى ألم تر أن، والله أعلم.