تفسير ” الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة “
{الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [سورة النور: 3]، عن عبد الله بن عمرو قال: كانت امرأة يقال لها أم مهزول وكانت تسافح، فأراد رجل من أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم أن يتزوجها، فأنزل الله عزَّ وجلَّ الآية [رواه النسائي والإمام أحمد].
سبب نزول الآية ابن كثير :
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد وكان رجلاً يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، قال: وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها عناق وكانت صديقة له، وأنه واعد رجلاً من أسارى مكة يحمله، قال: فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة، قال: فجاءت عناق فأبصرت سواد ظل تحت الحائط، فلما انتهت إليَّ عرفتني، فقالت: مرثد؟ فقلت: مرثد، فقالت: مرحباً وأهلاً، هلم فبت عندنا الليلة.
قال: فقلت: يا عناق حرم الله
الزنا
، فقالت: يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم، قال: فتبعني ثمانية ودخلت الحديقة، فانتهيت إلى غار أو كهف، فدخلت فيه فجاءوا حتى قاموا على رأسي، فبالوا، فظل بولهم على رأسي، فأعماهم الله عني، قال: ثم رجعوا فرجعت إلى صاحبي فحملته، وكان ثقيلاً حتى انتهيت إلى الإذخر، ففككت عنه أحبله، فجعلت أحمله ويعينني حتى أتيت به المدينة.
فأتيت رسول الله صل الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أنكح عناقاً أنكح عناقاً مرتين؟ فأمسك رسول الله صل الله عليه وسلم، فلم يرد عليّ شيئاً حتى نزلت {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: «يا مرثد الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة فلا تنكحها». [رواه الترمذي والنسائي وأبو داود واللفظ للترمذي].
تفسير الآية ابن كثير:
{الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً}:
هذا خبر من الله تعالى بأن الزاني لا يطأ إلا زانية أو مشركة، أي لا يطاوعه على مراده من الزنا إلا زانية عاصية أو مشركة لا ترى حرمة ذلك، وكذلك
{وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ}:
أي عاص بزناه
{أَوْ مُشْرِكٌ}:
لا يعتقد تحريمه، عن
ابن عباس
رضي الله عنه قال: ليس هذا بالنكاح إنما هو الجماع لا يزني بها إلا زان أو مشرك، وقوله تعالى:
{وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}:
أي تعاطيه والتزوج بالبغايا أو تزويج العفائف بالرجال الفجار، وقال أبو داود الطيالسي عن ابن عباس
{وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}:
قال: حرم الله الزنا على المؤمنين.
وقال قتادة ومقاتل بن حيان: حرم الله على المؤمنين نكاح البغايا، وهذه الآية كقوله تعالى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء:25] ، وقوله: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} [المائدة:5]، ومن ههنا ذهب الإمام أحمد إلى أنه لا يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغي ما دامت كذلك حتى تستتاب، فإن تابت صح العقد عليها وإلا فلا، وكذلك لا يصح تزويج المرأة الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح حتى يتوب توبة صحيحة، لقوله تعالى:
{وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}.
وقال الإمام أحمد عن عبد الله بن يسار مولى ابن عمر قال: أشهد لسمعت سالماً يقول: قال عبد الله، قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم
يوم القيامة
، العاق لوالديه، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال، والديوث» وفي رواية: «ثلاثة حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق لوالديه، والذي يقر في أهله الخبث».
وقال أبو داود الطيالسي في مسنده عن عمار بن ياسر قال، قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «لا يدخل
الجنة
ديوث» في الصحاح للجوهري الديوث: القنزع وهو الذي لا غيرة له على أهله وفي الحديث: «من أراد أن يلقى الله وهو طاهر متطهر فليتزوج الحرائر» [أخرجه ابن ماجه وفي إسناده ضعف].
فإما إذا حصلت توبة فإنه يحل التزويج، لما روي عن ابن عباس وسأله رجل فقال: إني كنت ألم بامرأة آتي منها ما حرم الله عزَّ وجلَّ عليّ فرزق الله عزَّ وجلَّ من ذلك توبة، فأردت أن أتزوجها، فقال أناس: إن الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، فقال ابن عباس: ليس هذا في هذا، انكحها فما كان من إثم فعليّ [أخرجه ابن أبي حاتم عن شعبة مولى ابن عباس رضي الله عنهما].
وقد ادعى طائفة من العلماء أن هذه الآية منسوخة. قال ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب قال: ذكر عنده
{الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ}:
قال: نسختها التي بعدها: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور:32] قال: كان يقال الأيامى من المسلمين أخرجه ابن سلام في كتاب الناسخ والمنسوخ ونص عليه الإمام الشافعي رحمه الله.