سبب نزول ” يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم “
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ الله شَدِيدٌ} [سورة الحج: 1-2]
سبب نزول الآية:
ورد في تفسير بن كثير عن سبب نزول الآية: عن عمران بن حصين أن النبي صل الله عليه وسلم قال: «لما نزلت {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ الله شَدِيدٌ} قال: نزلت عليه هذه الآية وهو في سفر فقال: أتدرون أي يوم ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «ذلك يوم يقول الله لآدم ابعث بعث النار، قال: يا رب وما بعث النار؟ قال: تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة» فأنشأ المسلمون يبكون.
فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: «قاربوا وسددوا فإنها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية، قال فيؤخذ العدد من الجاهلية فإن تمت وإلا كملت من المنافقين، وما مثلكم ومثل الأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة أو كالشامة في جنب البعير»، ثم قال: «إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل
الجنة
»، فكبروا، ثم قال: «إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة»، فكبروا، ثم قال: «إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة»، فكبروا، ثم قال: ولا أدري أقال الثلثين أم لا؟ [لحديث أخرجه الترمذي والإمام أحمد عن عمران بن حصين، وقال الترمذي: حديث صحيح].
تفسير الآيات:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}:
يقول تعالى آمرا عباده بتقواه، ومخبرًا لهم بما يستقبلون من أهوال
يوم القيامة
وأحوالها، وقد اختلف المفسرون في زلزلة الساعة، هل هي بعد قيام الناس من قبورهم يوم نشورهم إلى عرصات القيامة، أو ذلك عبارة عن زلزلة الأرض قبل قيام الناس من أجداثهم، كما قال تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا} [سورة الزلزلة: 1-2]، وقال: {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} [سورة الحاقة: 14-15]
فقال قائلون: هذه الزلزلة كائنة في آخر عمر الدنيا وأول أحوال الساعة، عن علقمة في قوله
{إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}
قال: قبل الساعة، وعن عامر الشعبي قال: هذا في الدنيا قبل يوم القيامة، وقال آخرون: بل ذلك هول وفزع وزلزال كائن قبل يوم القيامة في العرصات بعد القيام من القبور، والأحاديث في أهوال يوم القيامة والآثار كثيرة جدا، ولهذا قال الله تعالى:
{إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}:
أي أمر عظيم وخطب جليل، والزلزال هو ما يحصل للنفوس من الرعب والفزع، كما قال تعالى: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب:11]
ثم قال تعالى:
{يَوْمَ تَرَوْنَهَا}:
هذا من باب ضمير الشأن، ولهذا قال مفسرا له:
{تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَت}
أي فتشتغل لهول ما ترى عن أحب الناس إليها، والتي هي أشفق الناس عليه تدهش عنه في حال إرضاعها له، ولهذا قال:
{كُلُّ مُرْضِعَةٍ}
ولم يقل مرضع، وقال
{عَمَّا أَرْضَعَت}
: أي عن رضيعها وفطامه، وقوله:
{وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا}
: أي قبل تمامه لشدة الهول
{وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى}:
أي من شدة الأمر الذي قد صاروا فيه قد دهشت عقولهم، وغابت أذهانهم فمن رآهم حسب أنهم سكارى
{وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ الله شَدِيدٌ}
.