قصة ساكن الجزيرة وحسن الخاتمة
عبد الواحد بن زيد بن زيد أبو عبيدة البصري خطيب البصرة شيخ الصوفية في عصره وأزهدهم، من شيوخه
الإمام حسن البصري
توفى عبدالواحد في سنة سبعة وسبعين بعد المائة، وقد وردت هذه القصة في كتاب ألف قصة وقصة من قصص الصالحين ونوادر الزاهدين لمؤلفه هاني الحاج، وتروي القصة على لسان عبدالواحد بن زيد عن نموذج طيب ومثال رائع على الفطرة السليمة وحسن الخاتمة.
ساكن الجزيرة:
قال عبد الواحد بن زيد: ركبت البحر فعصفت بنا ريح دفعتنا إلى جزيرة من جزائر البحر، فطلعنا إليها وإذا نحن برجل قد عكف على صنم يعبده فقلنا له: ما معنا في المركب من يفعل مثل هذا!!
قال: فأنتم لمن تعبدون. قلنا: نعبد الله عز وجل، قال: ومن هو الله ؟ قلنا: الذي في السماء عرشه وفي الأرض سُلطانه، قال: فكيف علمتم ذلك؟ قلنا: أرسل إلينا رسولاً بالمعجزات الظاهرة فأخبرنا بذلك قال: فما فُعِل برسولكم؟ قلنا: لما أدى الرسالة قبضه الله إليه، قال: أفما ترك عندكم علامة؟ قلنا: ترك فينا كتاب الله سبحانه وتعالى، قال: أروني إياه.
فأتيناه بالمصحف قال: ما أحسن قراءته فقرأنا عليه منه شيئاً، فبكى وقال: ينبغي لمن هذا كلامه أن لا يُعْصَى، فأسلم وحَسُنَ إسلامه قال عبدالواحد: ثم سألَنَا أن نحمله في المركب فحملناه وعلَّمناه سوراً من
القرآن
، فلما جنَّ عليه الليل وأخدنا مضاجعنا لننام، قال: يا قوم هذا الذي دللتموني عليه ينام؟ قلنا: هو حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، فقال: إن من سوء الأدب نوم العبد بين يدي سيده، ثم وثب قائماً فلم يزل قائماً باكياً حتى أصبح
يقول عبدالواحد: فلما قدمنا “عبادان” قلت لأصحابي: هذا رجل غريب حديث عهد بالإسلام، ومن المصلحة أن نجمع له شيئاً ففعلوا ومددناه إليه، فقال: ما هذا ؟!! قلنا له: نفقة ننفقها عليك، فقال: سبحان الله دللتموني على طريق لم تعرفوه أنا كنت في جزيرة من جزر البحر أعبد غيره ولم يُضيَّعني وأنا أعبده وهو الخالق الرازق؟ ثم مضى وتركنا.
يقول عبدالواحد: فلما كان بعد أيام أُخْبِرْتُ أنه بموضع يعالج سكرات الموت فأتيناه وهو بآخر رَمَق فَسَلَّمتُ عليه، وقلت: ألك حاجة ؟!! فقال لي: قد مضى حاجتي الذي جاء بكم إلى الجزيرة وأنا لا أعرفه، يقول عبدالواحد: فاستندت بإزائه وقصدت مؤانسته ساعة، فغلبتني عيني فنمت فرأيت في مقابر “عبادان” روضة عليها قبة وتحت القبة سرير وعلى السرير جارية لم أر أجمل منها وهي تقول بالله عجَّل في جهازه فقد طال شوقي إليه، فانتبهت فوجدته قد مات فغسلته وكفنته، فلما كان الليل نمت فرأيته وهو في هيئة حسنة والجارية على السرير تحت القبة، وهو إلى جانبها يكرر هذه الآية: {سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}
المستفاد من القصة:
اعبد الله بقلب سليم وعقل مستنير وقلب مطمئن تنال حسن الخاتمة