تفسير ” وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين “
{قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} [سورة الأنبياء: 68-70]
تفسير الآيات:
{قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ}:
لما دحضت حجتهم وبان عجزهم وظهر الحق واندفع الباطل، عدلوا إلى استعمال جاه ملكهم فقالوا: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} فجمعوا حطباً كثيراً جداً، قال السدي: حتى إن كانت المرأة تمرض فتنذر إن عوفيت أن تحمل حطباً لحريق إبراهيم، ثم جعلوه في جَوَبة ـ حفرة من الأرض وأضرموها ناراً فكان لها شرر عظيم ولهب مرتفع لم توقد نار قط مثلها، وجعلوا
إبراهيم عليه السلام
في كفة المنجنيق بإشارة رجل من أعراب فارس من الأكراد، فلما ألقوه قال: حسبي اللّه ونعم الوكيل.
روى البخاري عن
ابن عباس
أنه قال «حسبي الله ونعم الوكيل» قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد عليهما السلام حين قالوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:173].
وروى الحافظ أبو يعلى، عن
أبي هريرة
قال: قال رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم: «لما ألقي إبراهيم عليه السلام في النار، قال: اللهم إنك في السماء واحد وأنا في الأرض واحد أعبدك»، ويروى أنه لما جعلوا يوثقونه قال: لا إله إلا أنت سبحانك لك الحمد ولك الملك لا شريك لك، وكان عمره إذ ذاك ستة عشرة سنة،
وذكر بعض السلف أنه عرض له
جبريل
وهو في الهواء، فقال: ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، وأما من اللّه فلي. ويروى عن ابن عباس قال: لما ألقي إبراهيم جعل خازن المطر يقول: متى أومر بالمطر فأرسله، قال: فكان أمر اللّه أسرع من أمره، قال اللّه:
{يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ}:
، قال: لم يبق نار في الأرض إلا طفئت، وقال كعب الأحبار: لم تحرق النار من إبراهيم سوى وثاقه، وقال ابن عباس: لولا أن اللّه عزَّ وجلَّ قال:
{وَسَلَامًا}:
لآذى إبراهيم بردها.
وقال أبو هريرة: إن أحسن شيء قال أبو إبراهيم لما رفع عنه الطبق وهو في النار وجده يرشح جبينه قال عند ذلك: نعم الرب ربك يا إبراهيم [رواه أبو زرعة عن أبي هريرة رضي اللّه عنه وأخرجه ابن أبي حاتم]. وقال قتادة: لم يأت يومئذ دابة إلا أطفأت عنه النار إلا الوَزَغ. وقال الزهري: أمر النبي صل اللّه عليه وسلم بقتله وسماه فويسقاً، وعن
عائشة رضي الله عنها
أن رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم قال: «إن إبراهيم حين ألقي في النار لم يكن في الأرض دابة إلا تطفئ النار غير الوزغ فإنه كان ينفخ على إبراهيم»، فأمرنا رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم بقتله [أخرجه ابن أبي حاتم]
وفي بعض الروايات أن امرأة دخلت على عائشة فوجدت عندها رمحاً فقالت: ما تصنعين بهذا الرمح؟ فقالت: نقتل به الأوزاغ، وذكرت الحديث، وقوله:
{وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ}:
أي المغلوبين الأسفلين لأنهم أرادوا بنبي اللّه كيداً، فكادهم اللّه ونجاه من النار فغلبوا هنالك، وقال عطية العوفي: لما ألقي إبراهيم في النار جاء ملكهم لينظر إليه فطارت شرارة فوقعت على إبهامه فأحرقته مثل الصوفة.