سبب نزول ” ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجًا “
{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [سورة طه: 131-132]
سبب نزول الآية:
أخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه، عن أبي رافع قال: أضاف النبي صل الله عليه وسلم ضيفاً، فأرسلني إلى رجل من اليهود أن أسلفني دقيقاً إلى هلال رجب، فقال: لا إلا برهن، فأتيت النبي صل الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: أما والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض فلم أخرج من عنده حتى نزلت الآية: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ…} كما في اللباب.
تفسير الآيات:
{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ}:
يقول الله تعالى لنبيّه محمد صل الله عليه وسلم: لا تنظر إلى ما هؤلاء المترفون وأشباههم ونظراؤهم فيه من النعيم، فإنما هو زهرة زائلة ونعمة حائلة لنختبرهم بذلك وقليل من عبادي الشكور، وقال مجاهد
{أَزْوَاجًا مِنْهُمْ}:
يعني الأغنياء، فقد آتاك خيراً مما آتاهم. ولهذا قال:
{وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}.
وفي الصحيح أن
عمر بن الخطاب
لما دخل على رسول الله صل الله عليه وسلم في تلك المَشْرُبة التي كان قد اعتزل فيها نساءه حين آلى منهن، فرآه متوسداً مضطجعاً على رمال حصير، وليس في البيت إلا صُبْرة من قَرَظ ـ صبرة: مجموعة، قرظ: ورق السّلَم، وهو شجر شائك يستعمل ورقه في دبغ الجلود ـ واهية معلقة، فابتدرت عينا عمر بالبكاء، فقال له رسول الله صل الله عليه وسلم: «ما يبكيك يا عمر؟» فقال: يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت صفوة الله من خلقه! فقال: «أو في شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا»، فكان صل الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا مع القدرة عليها إذا حصلت له ينفقها هكذا وهكذا في عباد الله، ولم يدخر لنفسه شيئاً لغد.
عن عطاء بن يسار عن
أبي سعيد الخدري
أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم ما يفتح الله لكم من زهرة الدنيا»، قالوا: وما زهرة الدنيا يا رسول الله؟ قال: «بركات الأرض» [أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً].
وقال قتادة والسدي
{زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}:
يعني زينة الحياة الدنيا وقال قتادة
{لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ}:
لنبتليهم، وقوله:
{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}:
أي انقذهم من عذاب الله بإقام الصلاة واصبر أنت على فعلها، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم:6] وقوله:
{لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ}:
يعني إذا أقمت الصلاة أتاك
الرزق
من حيث لا تحتسب، كما قال تعالى: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [سورة الطلاق: 2-3]، ولهذا قال {لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ}.
وقال الثوري:
{لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ}
: أي لا نكلفك الطلب. وقال ابن أبي حاتم، عن ثابت قال: كان النبي صل الله عليه وسلم إذا أصابه خصاصة نادى أهله يا أهلاه صلوا، صلوا. قال ثابت: وكانت الأنبياء إذا نزل بهم أمر فزعوا إلى الصلاة. وقال رسول الله صل الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك، وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلاً ولم أسدّ فقرك» [الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة].
وعن
زيد بن ثابت
قال، سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: «من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع له أمره، وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة»، وقوله
{وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}:
أي وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة وهي الجنة لمن اتقى الله، وفي الصحيح عن
أنس بن مالك
أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: «رأيت الليلة كأنا في دار عقبة بن نافع وأنا أتينا برُطب من رُطب ابن طاب، فأوَّلت ذلك أن العاقبة لنا في الدنيا والرفعة وأن ديننا قد طاب».