تفسير ” يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا “
{يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [سورة مريم: 85-87] ورد في تفسير بن كثير أن الله تعالى يخبر عن أوليائه المتقين الذين خافوه في الدار الدنيا، واتبعوا رسله، وصدقوهم فيما أخبروهم وأطاعوهم فيما أمروهم به، وانتهوا عما زجروهم أنه يحشرهم
يوم القيامة
، وفداً إليه.
تفسير الآيات:
{يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا}:
الوفد هم القادمون ركباناً ومنه الوفود، وركوبهم على نجائب من نور من مراكب الدار الآخرة، وهم قادمون على خير موفود إليه إلى دار كرامته ورضوانه،
{وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا}:
وأما المجرمون المكذبون المخالفون لهم فإنهم يساقون عنفاً إلى النار
{وِرْدًا}:
عطاشاً قاله
ابن عباس
وعطاء ومجاهد والحسن وقتادة وغير واحد.
وقال ابن أبي حاتم، عن ابن مرزوق
{يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا}:
قال: يستقبل المؤمن عند خروجه من قبره أحسن صورة رآها وأطيبها ريحاً، فيقول: أما تعرفني؟ فيقول: لا، إلا أن الله قد طيب ريحك وحسن وجهك. فيقول: أنا عملك الصالح وهكذا كنت في الدنيا حسن العمل طيبه، فطالما ركبتك في الدنيا، فهلم اركبني فيركبه، فذلك قوله: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا}: [أخرجه ابن أبي حاتم]
قال ابن عباس: ركباناً، وقال
أبو هريرة
{يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا}:
قال: على الإبل. وقال الثوري: على الإبل النوق، وقال قتادة
{يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا}:
قال: إلى الجنة، عن ابن النعمان بن سعيد قال: كنا جلوساً عند علي رضي الله عنه، فقرأ هذه الآية {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا}: قال: لا واللّه ما على أرجلهم يحشرون، ولا يحشر الوفد على أرجلهم، ولكن بنوق لم ير الخلائق مثلها، عليها رحائل من ذهب فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة [رواه ابن أبي حاتم وابن جرير] وزاد: عليها رحائل من ذهب وأزمتها الزبرجد.
وقوله تعالى
{وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا}:
أي عطاشاً،
{لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ}:
أي ليس لهم من يشفع لهم كما يشفع المؤمنون بعضهم لبعض، كما قال تعالى مخبراً عنهم: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [سورة الشعراء: 100-101]، وقوله:
{إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}:
هذا استثناء منقطع، بمعنى: لكن من اتخذ عند الرحمن عهداً، وهو شهادة أن لا إله إلا اللّه، والقيام بحقها. قال ابن عباس: العهد شهادة أن لا إله إلا الله، ويبرأ إلى الله من الحول والقوة ولا يرجو إلاَّ الله عزّ وجلّ.
وقال ابن أبي حاتم، عن الأسود بن يزيد، قال: قرأ
عبدالله بن مسعود
هذه الآية
{إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}:
ثم قال: اتخذوا عند الله عهداً، فإن الله يقول القيامة: من كان له عند الله عهد فليقم، قالوا: يا أبا عبد الرحمن فعلمنا، قال قولوا: اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة، فإني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا، أنك إن تكلني إلى عملي يقربني من الشر ويباعدني من الخير، وإني لا أثق إلا برحمتك فاجعل لي عندك عهداً تؤديه إليّ يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد. قال المسعودي: وكان يلحق بهن: خائفاً مستجيراً مستغفراً راهباً راغباً إليك.