تفسير الآية ” ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابًا نقرؤه “
{وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} [سورة الإسراء: 90-93]
تفسير الآيات:
{وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ}:
ولو علم الله منهم أنهم يسألون ذلك استرشاداً لأجيبوا إليه، ولكن علم أنهم إنما يطلبون ذلك كفراً وعناداً، فقيل لرسول الله صل الله عليه وسلم: إن شئت أعطيناهم ما سألوا، فإن كفروا عذبتهم عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين، وإن شئت فتحت عليهم باب
التوبة
والرحمة، فقال: «بل تفتح عليهم باب التوبة والرحمة»،
{حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا}:
الينبوع: العين الجارية، سألوه أن يجري لهم عيناً معيناً في أرض الحجاز ههنا وههنا، وذلك سهل على الله تعالى يسير لو شاء لفعله ولأجابهم إلى جميع ما سألوا وطلبوا، ولكن علم أنهم لا يهتدون، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [سورة يونس: 96-97].
وقوله تعالى:
{أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ}:
أي أنك وعدتنا
يوم القيامة
تنشق فيه السماء وتهي وتدلي أطرافها فعجّلْ ذلك في الدنيا، وأسقطها كسفاً أي قطعاً، كذلك سأل قوم شعيب فقالوا: {أَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الشعراء:187]، فعاقبهم الله بعذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم، وأما نبي الرحمة المبعوث رحمة للعالمين فسأل إنظارهم وتأجليهم، لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبده ولا يشرك به شيئاً، وكذلك وقع، فإن من هؤلاء الذين ذكروا من أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه حتى عبد الله بن أبي أميه الذي تبع النبي صل الله عليه وسلم وقال له ما قال، أسلم إسلاماً وأناب إلى الله عزَّ وجلَّ.
{أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ}:
قال
ابن عباس
ومجاهد: هو الذهب، أي يكون لك بيت من ذهب،
{أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ}:
أي تصعد في سلم، ونحن ننظر إليك،
{وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ}:
قال مجاهد: أي مكتوب فيه، إلى كل واحد صحيفة، هذا كتاب من الله لفلان بن فلان تصبح موضوعة عند رأسه، وقوله تعالى:
{قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا}:
أي سبحانه وتعالى وتقدس، أن يتقدم أحد بين يديه في أمر من أمور سلطانه وملكوته، بل هو الفعال لما يشاء، وما أنا إلا رسول إليكم أبلغكم رسالات ربي، وأنصح لكم، وأمركم فيما سألتم إلى الله عزَّ وجلَّ، وعن أبي أمامة، عن النبي صل الله عليه وسلم قال: «عرض علي ربي عزَّ وجلَّ ليجعل لي بطحاء
مكة
ذهباً، فقلت: لا يا رب ولكن أشبع يوماً وأجوع يوماً – أو نحو ذلك – فإن جعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك» [رواه أحمد والترمذي، وقال الترمذي: حديث حسن].