قصة عبدالملك بن مروان وسر رقية بُديح
بُديح هو مولى عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، كان يقال له بُديح المليح، فكانت فيه فكاهة ومزاح، وكان يغني وروى الحديث عن عبدالله بن جعفر. توفى عام 84 ه، وهذه القصة وردت في كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، فهي قصة طريفة صارت تتندر بها العرب فترة طويلة عن بُديح البربري الذي رقى
عبدالملك بن مروان
وشفاه من عرق النسا.
حيلة عبدالله بن جعفر وبُديح:
دخل عبدالله بن جعفر على الخليفة عبدالملك بن مروان وهو يتأوه، فقال: ما علّتك يا أمير المؤمنين؟ قال: هاج بي عرق النسا في ليلتي هذه، فبلغ مني. فقال له ابن جعفر: إن لي مولى يدعى بُديح كانت أمه بربرية، وكانت ترقي من هذه العلة، وقد أخد ذلك منها. قال: فادع به.
فلما مضى الرسول، في طلب بُديح جلس عبدالله ابن جعفر ينتظره وهو يعلم أن بديح صاحب فكاهة، فأراد أن يضحك ويُضحك الخليفة، فما كان بأسرع من أن طلع بُديح، فقال له عبدالملك: كيف رُقيتك من
عرق النسا
؟ قال: أرقَى الخلق يا أمير المؤمنين. فسُرَّيَ عن ابن جعفر لما يخفي في نفسه من أمر بُديح.
بديح البربري يرقي الخليفة:
جلس بُديح وجعل يتفُل على رُكبة عبدالملك ويُهمهم، ثم قال: قم يا أمير المؤمنين، جعلني الله فِداك، فقام عبدالملك لا يجد وجعًا فقال: الله أكبر، وجدت والله خفًا، يا غلام، ادع فلانة الجارية حتى تكتب الرُقية، فإنا لا نأمن هيجتها بالليل فلا نذعر بُديح.
انكشاف الحيلة:
فلما جاءت الجارية، قال بُديح: يا أمير المؤمنين، امرأتي طالق، إن كتبتها حتى تُعَجَّل صِلَتي، فأمر له بأربعة آلاف درهم، فلما صار المال بين يديه قال: امرأتي طالق إن كتَبْتُها أو يصير المال إلى منزلي، فأمر به يُحمل إلى منزله، ثم شرعت الجارية تكتب “بسم الله الرحمن الرحيم” فقال بُديح: ليس فيها بسم الله الرحمن الرحيم، فقال عبدالملك: كيف تكون؟!! ويلَك رُقيةً ليس فيها بسم الله الرحمن الرحيم؟!!
قال بديح : هو ذاك، امرأتي طالق إن كنتُ قد قرأت على رِجلك إلا بيت نصيب :
ألا إن ليلى العامرية أصبحت *** على النأي منَّي ذَنْبَ غيري تنقمُ
قال عبدالملك: ويلك، ماذا تقول؟!! قال: هو ذلك، فطفق عبدالملك ضاحكًا يفحص برجلَيْه.
كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم:
مرجع تاريخي هام اهتم فيه المؤلف وهو
ابن الجوزي
على ذكر التاريخ منذ بدء الخليقة حتى آخر القرن السادس الهجري بالتحديد في 597ه وهي السنة التي توفى فيها المؤلف، وقد اعتنى المؤلف بسرد خاص للسيرة النبوية في كتابه الذي اهتم بسرد الأحداث التاريخية بالتفصيل وبالترتيب اعتمد في تصنيفه على السنوات وقد احتوت هذه المؤلفة الثمينة على ترجمة لأكثر من ثلاثة آلاف وثلاثمائة شخصية عامة تنوعت بين ملوك وخلفاء ومؤرخين وفقهاء ومحدثين وغيرهم.