تفسير ” يوم ندعوا كل أناس بإمامهم “
{يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا} [سورة الإسراء: 71-72]
فضل الآية:
يقول ابن كثير: عن
أبي هريرة
رضي اللّه عنه، عن النبي صل اللّه عليه وسلم في قول اللّه تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} ، قال: «« يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه، ويمد له في جسمه، ويبيض وجهه، ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤة يتلألأ، فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون: اللهم آتنا بهذا، وبارك لنا في هذا، فيأتيهم فيقول لهم: أبشروا فإن لكل رجل منكم مثل هذا، وأما الكافرون فيسود وجهه ويمد له في جسمه، ويراه أصحابه فيقولون: نعوذ باللّه من هذا أو من شر هذا، اللهم لا تأتنا به، فيأتيهم فيقولون: اللهم اخزه، فيقول: أبعدكم اللّه فإن لكل رجل منكم مثل هذا »» [أخرج الحافظ أبو بكر البزار]
تفسير الآية:
{يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ}:
يخبر تبارك وتعالى عن
يوم القيامة
أنه يحاسب كل أمة بإمامهم، وقد اختلفوا في ذلك، فقال مجاهد وقتادة: أي بنبيهم، وهذا كقوله: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [يونس:47] الآية، وقال بعض السلف: هذا أكبر شرف لأصحاب الحديث، لأن إمامهم النبي صل اللّه عليه وسلم، وقال ابن زيد: بكتابهم الذي أنزل على نبيهم واختاره ابن جرير.
وروي عن مجاهد أنه قال: بكتبهم، فيحتمل أن يكون أراد ما روي عن
ابن عباس
في قوله: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ}: أي بكتاب أعمالهم وهو قول أبي العالية والحسن والضحّاك ، وهذا القول هو الأرجح، لقوله تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس:12]، وقال تعالى: { {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ} [الكهف:49]، ويحتمل أن المراد
{بِإِمَامِهِمْ}:
أي كل قوم بمن يأتمون به، فأهل الإيمان ائتموا بالأنبياء عليهم السلام، وأهل الكفر ائتموا بأئمتهم، كما قال: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [القصص:41].
وفي الصحيحين: «لتَّتبعْ كل أمة ما كانت تعبد، فيتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت» الحديث، وقال تعالى: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية:29]، وهذا لا ينافي أن يجاء بالنبي إذا حكم اللّه بين أمته، فإنه لا بدّ أن يكون شاهداً على أمته بأعمالها، كقوله تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ} [الزمر:69]، وقوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء:41]
والمراد ههنا بالإمام هو كتاب الأعمال، ولهذا قال تعالى:
{يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ}:
أي من فرحته وسروره بما فيه من العمل الصالح يقرؤه ويحب قراءته، كقوله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [سورة الحاقة: 19]، وقوله تعالى:
{وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا}:
الفتيل: هو الخيط المستطيل في شق النواة،
{وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى}:
أي في الحياة الدنيا
{أَعْمَى}
: أي عن حجة اللّه وآياته وبيناته،
{فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى}:
أي كذلك يكون
{وَأَضَلُّ سَبِيلًا}:
أي وأضل منه كما كان في الدنيا، عياذاً باللّه من ذلك.