تفسير ” ولكن لا تفقهون تسبيحهم “

{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } [سورة الإسراء: 44] ثبت في صحيح البخاري عن

ابن مسعود

أنه قال: كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل، وفي حديث أبي ذر أن النبي صل اللّه عليه وسلم أخذ في يده حصيات فسمع لهن تسبيح كحنين النحل، وكذا في يد أبي بكر وعمر وعثمان رضي اللّه عنهم [قال ابن كثير: وهو حديث مشهور في المسانيد]


تفسير الآية:



{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ}:

يقول الله تعالى تقدسه السماوات السبع والأرض ومن فيهن، أي من المخلوقات، وتنزهه وتعظمه وتبجله وتكبره عما يقول هؤلاء المشركون، وتشهد له بالوحدانية في ربوبيته وإلهيته: ففي كل شيء له آية تدل على أنه واحد كما قال تعالى: {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} [سورة مريم: 90-91]، وقوله:

{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}:

أي وما من شيء من المخلوقات إلا يسبح بحمد اللّه

{وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}:

أي لا تفهمون تسبيحهم لأنها بخلاف لغاتكم، وهذا عام في الحيوانات والجمادات والنباتات.

كما ثبت في صحيح

البخاري

عن ابن مسعود أنه قال: كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل، وفي حديث أبي ذر أن النبي صل اللّه عليه وسلم أخذ في يده حصيات فسمع لهن تسبيح كحنين النحل، وكذا في يد أبي بكر وعمر وعثمان رضي اللّه عنهم [قال ابن كثير: وهو حديث مشهور في المسانيد]، وقال الإمام أحمد عن أنس رضي اللّه عنه عن رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم أنه دخل على قوم وهم وقوف على دواب لهم ورواحل، فقال لهم: «اركبوها سالمة ودعوها سالمة، ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق، فرب مركوبة خير من راكبها، وأكثر ذكراً منه»

وفي سنن النسائي عن عبد اللّه بن عمرو قال: نهى رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم عن قتل الضفدع، وقال: «نقيقها تسبيح» وعن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم: «ألا أخبركم بشيء أمر به نوح ابنه؟ إن نوح عليه السلام قال لابنه: يا بني آمرك أن تقول سبحان اللّه فإنها صلاة الخلق، وتسبيح الخلق، وبها يرزق الخلق قال اللّه تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}» [أخرجه ابن جرير، قال ابن كثير: في إسناده ضعف].

وقال عكرمة في قوله تعالى:

{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}:

قال: الأسطوانة تسبح، والشجرة تسبح، وقال بعض السلف: صرير الباب تسبيحه، وخرير الماء تسبيحه. وقال آخرون: إنما يسبح من كان فيه روح من حيوان ونبات، قال قتادة في قوله:

{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}:

قال: كل شيء فيه روح يسبح من شجر أو شيء فيه، وقال الحسن والضحّاك: كل شيء فيه الروح. وقد يستأنس لهذا القول بحديث

ابن عباس

، أن رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم مرّ بقبرين فقال: «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة»، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين، ثم غرز في كل قبر واحدة ثم قال: «لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا» [أخرجه الشيخان عن ابن عباس مرفوعاً] قال بعض من تكلم عن هذا الحديث من العلماء، إنما قال ما لم ييبسا: لأنهما يسبحان ما دام فيهما خضرة فإذا يبسا انقطع تسبيحهما، واللّه أعلم.


{إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}:

أي إنه لا يعاجل من عصاه بالعقوبة، بل يؤجله وينظره، فإن استمر على كفره وعناده أخذه أخذ عزيز مقتدر كما جاء في الصحيحين: «إن اللّه ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته»، ثم قرأ رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} [هود:102] وقال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ} [الحج:48]، الآيتين ومن أقلع عما هو فيه من كفر أو عصيان ورجع إلى اللّه وتاب إليه، تاب عليه.

كما قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ} [النساء:110] وقال ههنا: {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}:  كما قال في آخر فاطر: { {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [فاطر:41] إلى أن قال: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ} [فاطر:45] إلى آخر السورة.