قصة هارون الرشيدي مع ابن المغازلي

هارون الرشيدي هو أبو جعفر هارون بن محمد المهدي، الخليفة العباسي الخامس، وأشهر خلفاء بني العباس على مر العصور، ارتبط اسمه بالعديد من القصص والروايات وهذه إحدى القصص التي تناولها شهاب الدين محمد بن أحمد بن منصور الأبشيهي أبو الفتح في مؤلفته “المستطرف لكل فن مستظرف”.


هارون الرشيدي يشعر بالأرق:


حكي عن

هارون الرشيد

أنه أرّقَ ذات ليلة أرقًا شديداً، فقال لوزيره جعفر بن يحي البرمكي: إني أرّقت هذه الليلة وضاق صدري ولم أعرف ما أصنع، وكان خادمه مسرور واقفاً أمامه فضحك، فقال له الخليفة: ما يُضحكك استهزاءٌ بي أم استخفافاً ؟!! فقال: وقرابتك من سيد المرسلين صل الله عليه وسلم ما فعلت ذلك عمداً ولكن خرجت بالأمس أتمشّى بظاهرِ القصر إلى أن جئت إلى جانب الدجلة فوجدتُ الناس مجتمعين، فوقفت فرأيت رجلًا واقفاً يُضحِكُ الناس يُقال له ابن المغازلي، فتفكّرتُ الآن في شيءٍ من حديثه وكلامه فضحكت، والعفو يا أمير المؤمنين، فقال له الرشيد : ائتني الساعة به.


صفقة بين الخادم وابن المغازلي:


خرج مسرور الخادم مسرعاً إلى أن وصل إلى ابن المغازلي فقال له: أجب أمير المؤمنين.

فقال ابن المغازلي: سمعاً وطاعة.

فقال له الخادم: بشرط أنه إذا أنعم عليك بشيء يكون لك منه الربع والبقية لي،

فقال له ابن المغازلي: بل اجعل لي النصف ولك النصف، فأبى.

فقال ابن المغازلي: الثلث لي ولك الثلثان، فأجابه إلى ذلك بعد جهدٌ عظيم .


الجلد لابن المغازلي:


فلمّا دخل ابن المغازلي على الرشيد سلّم، فأبلغ وترجم فأحسن، ووقف بين يديه، فقال له أمير المؤمنين: إن أنت أضحكتني أعطيتـُكَ خمسمائة دينار، وإن لم تضحكني أضربك بهذا الجراب ثلاث ضربات، فقال ابن المغازلي في نفسه، وما عسى أن تكون ثلاث ضربات بهذا الجراب؟!! وظن في نفسه أن الجراب فارغ ، فوقف يتكلم ويتمسخر وفعل أفعالًا عجيبة تـُضحِكُ الجلمود ، فلم يضحك الرشيد ، ولم يبتسم.

فتعجب ابن المغازلي وضجر وخاف، فقال له الرشيد: الآن استحقيت الضرب، ثم أنه أخد الجراب ولفه وكان فيه أربع زلطات كل واحدة وزنها رطلان، فضربه ضربةً، فلما وقعت الضربة في رقبته صرخ صرخةً عظيمة وتذكر حينها شرط الخادم، الشرط الذي شرطه عليه مسرور، فقال: العفو يا أمير المؤمنين اسمع مني كلمتين، قال هارون: قل ما بدا لك.


هارون يضحك أخيرًا:


قال ابن المغازلي بعد أن أعيته الضربة: إن مسروراً شرط عليّ شرطاً واتفقت أنا وإيّاه على مصلحةٍ، وهو أن ما حصل لي من الصدقات يكون له فيه الثلثان ولي فيه الثلث وما أجابني إلى ذلك إلا بعد جُهدٍ عظيم. وقد شرط عليّ أمير المؤمنين ثلاث ضربات فنصيبي منها واحدة ونصيبه اثنتان، وأرى أني قد أخذت نصيبي وبقي نصيبه، قال: فضحك الرشيد ودعا مسروراً، فضربه فصاح، وقال: يا أمير المؤمنين قد وهبت له ما بقي!! فضحك الرشيد وأمر لهما بألف دينار، فأخد كل واحدٍ منهما خمسمائة دينار، ورجع ابن المغازلي شاكراً لله على نجاته من الجلد.


المستفاد من القصة:


قد ينبع الضحك من وسط الحزن، فلا تبتأس واعلم أنك خلقت لغاية وهدف وما خلقت عبثًا، فاعمل على تحقيق هذه الغاية ولا تحزن لكثرة العثرات في الطريق فجميعها مكفرات للذنوب، واضحك وابتسم إنما جعلت الصدقة في ابتسامة، وكن مثل رسولك لم يشاهده أحد إلا ورآه مبتسمًا صل الله عليه وسلم.