قصة برصيصا العابد الذي سجد للشيطان
برصيصا العابد هو عابد بني إسرائيل الذي وصف بأنه أعبد أهل زمانه، إلا أن نهايته كانت على الكفر بأن أطاع الشيطان حتى سجد له، وقد وردت قصة برصيصا العابد في تفسير ابن كثير والطبري تفسيرًا للآية: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر:16]، برواية لعبدالله
ابن مسعود
، وراوية عبدالله ابن عباس.
برصيصا الراهب برواية عبدالله بن عباس:
روى ابن جرير عن
عبد الله بن عباس
قال: كان راهب من بني إسرائيل يعبد الله فيحسن عبادته، وكان يؤتى من كل أرض فيسأل عن الفقه، وكان عالمًا، وإن ثلاثة إخوة كانت لهم أخت حسنة من أحسن الناس، وإنهم أرادوا أن يسافروا، فكبر عليهم أن يخلفوها ضائعة، فجعلوا يأتمرون ما يفعلون بها، فقال أحدهم: أدلكم على من تتركونها عنده؟ قالوا: من هو؟ قال: راهب بني إسرائيل، إن ماتت قام عليها، وإن عاشت حفظها حتى ترجعوا إليه.
فعمدوا إليه فقالوا: إنا نريد السفر، ولا نجد أحدًا أوثق في أنفسنا ولا أحفظ لما ولي منك لما جعل عندك، فإن رأيت أن نجعل أختنا عندك فإنها ضائعة شديدة الوجع، فإن ماتت فقم عليها، وإن عاشت فأصلح إليها حتى نرجع، فقال : أكفيكم إن شاء الله، فانطلقوا فقام عليها فداواها حتى برأت، وعاد إليها حسنها، فاطلع إليها فوجدها متصنعة.
فلم يزل به الشيطان يزين له أن يقع عليها حتى وقع عليها، فحملت، ثم ندمه
الشيطان
فزين له قتلها، قال: إن لم تقتلها افتضحت وعرف شبهك في الولد، فلم يكن لك معذرة، فلم يزل به حتى قتلها، فلما قدم إخوتها سألوه ما فعلت؟ قال: ماتت فدفنتها، قالوا : قد أحسنت، ثم جعلوا يرون في المنام، ويخبرون أن الراهب هو قتلها، وأنها تحت شجرة كذا وكذا.
فعمدوا إلى الشجرة فوجدوها تحتها قد قتلت، فعمدوا إليه فأخذوه، فقال له الشيطان: أنا زينت لك الزنا وقتلها بعد الزنا، فهل لك أن أنجيك؟ قال: نعم، قال: أفتطيعني؟ قال: نعم قال: فاسجد لي سجدة واحدة، فسجد له ثم قتل.
برصيصا العابد برواية عبدالله بن مسعود:
روى ابن جرير، عن عبد اللّه بن مسعود قال: كانت امرأة ترعى الغنم، وكان لها أربعة إخوة، وكانت تأوي بالليل إلى صومعة راهب، قال: فنزل الراهب ففجَر بها، فحملت، فأتاه الشيطان فقال له اقتلها ثم ادفنها، فإنك رجل مصدق يسمع قولك، فقتلها ثم دفنها.
وقال: فأتى الشيطان إخوتها في المنام، فقال لهم: إن الراهب صاحب الصومعة فجَر بأُختكم فلما أحبلها قتلها ثم دفنها في مكان كذا وكذا، فلما أصبحوا قال رجل منهم: واللّه لقد رأيت البارحة رؤيا ما أدري أقصها عليكم أم أترك؟ قالوا: بل قصها علينا، قال، فقصها؛ فقال الآخر: وأنا واللّه قد رأيت ذلك، فقال الآخر: وأنا واللّه رأيت ذلك، قالوا فواللّه ما هذا إلا لشيء.
قال، فانطلقوا، فاستَعْدُوا ملكهم على ذلك الراهب، فأتوه فأنزلوه، ثم انطلقوا به، فلقيه الشيطان فقال: إني أنا الذي أوقعتك في هذا ولن ينجيك منه غيري، فاسجد لي واحدة وأنجيك مما أوقعتك فيه، قال، فسجد له، فلما أتوا به ملكهم تبرأ منه وأخذ فقتل، واشتهر عند كثير من الناس أن هذا العابد هو برصيصا فاللّه أعلم
برصيصا الراهب مثال سوء الخاتمة:
على الرغم من إيمان الراهب وتعبده وزهده إلا أن ذلك لم يمنعه من سوء الخاتمة، ولعل الثغرة في أمر برصيصا هي الزلة الأولى التي بها هوت قدمه في قاع الرزيلة، فلو انه لم يتهاون منذ البداية وصد الشيطان عنه ولم يترك له فرصة، لما صار مضرب المثل في سوء الخاتمة، لكن بمجرد التنازل لمرة واحدة صارت سلسلة من التنازلات أدت به للموت على الكفر بأن سجد للشيطان والعياذ بالله، فاحذر سوء الخاتمة.